Site icon أوروبا بالعربي

قبرص تطرح مبادرة لخفض التوتر مع تركيا عبر بوابة الناتو والاتحاد الأوروبي

التوتر التركي اليوناني

طرحت قبرص خطة سياسية–أمنية جديدة تهدف إلى خفض التوترات المزمنة مع تركيا، مستفيدة من رئاستها المرتقبة لمجلس الاتحاد الأوروبي، في محاولة لإعادة فتح قنوات الحوار بين أنقرة وبروكسل، وربط ذلك بتقدم تدريجي في العلاقة بين قبرص وحلف شمال الأطلسي (الناتو).

وقال الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس، في تصريحات لموقع بوليتيكو، إن نيقوسيا تسعى إلى اتباع “نهج تدريجي ومتوازن” يقوم على إقناع تركيا بالموافقة على انضمام قبرص إلى برنامج “الشراكة من أجل السلام” التابع للناتو، باعتباره خطوة أولى نحو العضوية الكاملة في الحلف، مقابل إحراز تقدم ملموس في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، واستئناف المفاوضات السياسية لحل القضية القبرصية.

وأوضح خريستودوليدس أنه ناقش هذا الاقتراح بالفعل مع الأمين العام لحلف الناتو مارك روته، ومع المستشار الألماني فريدريش ميرز، في مؤشر على سعي قبرص إلى حشد دعم أوروبي وأطلسي لمبادرتها قبل توليها الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي في يناير المقبل.

ووصف الرئيس القبرصي انضمام بلاده إلى الناتو بأنه “تطور طبيعي”، لكنه تعثر لعقود بسبب “الظروف السياسية”، في إشارة إلى الرفض التركي المستمر.

فتركيا، العضو في الناتو، تستخدم حق النقض (الفيتو) لمنع قبرص من أي تقارب مؤسسي مع الحلف، في ظل عدم اعتراف أنقرة بجمهورية قبرص المعترف بها دولياً والعضو في الاتحاد الأوروبي.

وتنعكس هذه الخلافات أيضاً في المجال الدفاعي الأوروبي. فكل من قبرص واليونان تعرقلان مشاركة تركيا في آليات الشراء العسكري المشتركة ضمن برنامج “العمل الأمني من أجل أوروبا” (SAFE) البالغة قيمته 150 مليار يورو.

غير أن خريستودوليدس شدد على أن “تركيا هي التي استبعدت نفسها” من هذه الآلية، لعدم توصلها إلى اتفاقية أمنية رسمية مع الاتحاد الأوروبي، مؤكداً أن المشاركة في مثل هذه البرامج “ليست خياراً انتقائياً بل تخضع لشروط واضحة”.

كما ترفض نيقوسيا وأثينا انضمام تركيا إلى وكالة الدفاع الأوروبية، وهو ما دفع أنقرة، في المقابل، إلى منع الناتو من تبادل معلومات سرية مع الوكالة، ما يعمّق حالة الجمود بين المؤسستين الدفاعيتين الأوروبية والأطلسية.

وتثير الرئاسة القبرصية المقبلة مخاوف لدى بعض الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي والناتو، الذين يخشون أن تؤدي إلى مزيد من التصعيد مع تركيا، في وقت يسعى فيه الاتحاد إلى تعزيز قدراته الدفاعية وتوسيع التعاون العسكري مع أنقرة، لا سيما في ظل الحرب في أوكرانيا والتوترات الإقليمية المتزايدة.

وتعود جذور الأزمة القبرصية إلى عام 1974، حين غزت القوات التركية شمال الجزيرة رداً على انقلاب مدعوم من اليونان. ومنذ ذلك الحين، انقسمت قبرص إلى شطرين: شمال قبرصي تركي لا تعترف به سوى أنقرة، وجنوب قبرصي يوناني يمثل جمهورية قبرص المعترف بها دولياً.

ورغم هذا التاريخ المعقد، أكد خريستودوليدس أن بلاده تدرك “مسؤولياتها المؤسسية” خلال رئاستها للاتحاد الأوروبي، وأبدى استعداده لدعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى اجتماع غير رسمي للمجلس الأوروبي يعقد في قبرص في أبريل المقبل، في خطوة تحمل دلالات سياسية لافتة.

وعلى جدول أعمال الرئاسة القبرصية، يتصدر ملف الدفاع الأوروبي والحرب في أوكرانيا. واعتبر الرئيس القبرصي أن خطة السلام التي يدفع بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب “ليست مثالية”، لكنها تمثل “اقتراحاً قائماً يجب التعامل معه”، مؤكداً أن انتخاب ترامب يوجه رسالة واضحة للاتحاد الأوروبي بضرورة الاعتماد على نفسه وتعزيز تنسيقه الداخلي.

ورغم عدم عضويتها في الناتو، تعمل قبرص على مواءمة أسلحتها وهيكلة حرسها الوطني مع معايير الحلف، بالتعاون مع الولايات المتحدة، تحسباً لأي تغير سياسي مستقبلي يسمح بانضمامها. كما عززت نيقوسيا علاقاتها مع واشنطن بشكل ملحوظ منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، مبتعدة تدريجياً عن علاقاتها التقليدية مع موسكو.

وعلى صعيد ملف توحيد الجزيرة، أعرب خريستودوليدس عن تفاؤل حذر بإمكانية إحياء المحادثات، خاصة بعد انتخاب الزعيم القبرصي التركي المعتدل توفان إرهورمان.

ومن المقرر عقد قمة ثلاثية تجمع الطرفين مع مبعوثة الأمم المتحدة ماريا أنجيلا هولغين، في أول اجتماع من هذا المستوى منذ سنوات.

وفي ختام حديثه، كشف الرئيس القبرصي عن سعي بلاده للانضمام إلى منطقة شنغن بحلول العام المقبل، مؤكداً أن هذه الخطوة لن تمس بحرية تنقل القبارصة الأتراك عبر “الخط الأخضر”، في محاولة لطمأنة المخاوف المرتبطة بتعميق الانقسام داخل الجزيرة.

Exit mobile version