تحوّل ملحوظ في المزاج العام داخل فرنسا وألمانيا لتقليص الدعم المالي لأوكرانيا

كشف استطلاع رأي جديد أجرته مؤسسة «بوليتيكو» عن تحوّل ملحوظ في المزاج العام داخل أكبر دولتين في الاتحاد الأوروبي، فرنسا وألمانيا، حيث باتت غالبية البالغين تميل إلى تقليص الدعم المالي لأوكرانيا، في وقت تستعد فيه القوى الغربية لانطلاق محادثات سلام محورية لإنهاء الحرب الروسية–الأوكرانية.
ويأتي هذا التحول في الرأي العام الأوروبي على النقيض من توجهات واضحة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا، حيث لا يزال الدعم المادي لكييف يحظى بتأييد شعبي واسع.
ويعكس الاستطلاع، الذي شمل أكثر من 10 آلاف مشارك في خمس دول غربية مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري، انقساماً متزايداً داخل المعسكر الغربي حول كيفية التعامل مع المرحلة المقبلة من الصراع.
ففي فرنسا وألمانيا، أظهر المستطلعون ميلاً واضحاً إلى تقليص المساعدات المالية المقدمة لأوكرانيا بدلاً من زيادتها أو حتى الإبقاء عليها عند مستوياتها الحالية، بينما فضّل المستطلعون في الدول الناطقة بالإنجليزية استمرار الدعم، بل وزيادته في بعض الحالات.
وتأتي هذه النتائج في توقيت بالغ الحساسية، إذ يستعد قادة الاتحاد الأوروبي لاجتماع حاسم في بروكسل من المتوقع أن يهيمن عليه ملف الدعم المالي لأوكرانيا، بالتوازي مع جهود تقودها واشنطن للتوسط في اتفاق سلام بين موسكو وكييف.
وفي هذا السياق، يبرز المستشار الألماني فريدريش ميرز كأحد أبرز الداعمين الأوروبيين لمواصلة مساندة أوكرانيا، في محاولة للحفاظ على وحدة الموقف الأوروبي رغم تراجع التأييد الشعبي في بلاده.
ووفق نتائج الاستطلاع، كان السبب الأكثر شيوعاً لدى مؤيدي استمرار الدعم لأوكرانيا في الدول الخمس هو المبدأ القائل بعدم السماح لأي دولة بالاستيلاء على أراضٍ بالقوة.
في المقابل، برزت المخاوف الاقتصادية كأهم دافع لدى المعارضين، حيث عبّر كثيرون عن القلق من كلفة الدعم المتواصل وتأثيره على الأوضاع المعيشية والمالية العامة في بلدانهم.
وفي هذا السياق، قال سيب رايد، رئيس قسم استطلاعات الرأي في شركة «بابليك فيرست» التي نفذت الدراسة، إن الرأي العام الأوروبي بات ينظر إلى المرحلة الراهنة بوصفها مرحلة “مقايضات سياسية صعبة”، مضيفاً أن الدعم المالي لأوكرانيا لم يعد يُنظر إليه بمعزل عن الضغوط الداخلية.
وأوضح أن محدودية الموارد العامة دفعت شريحة متزايدة من المواطنين إلى إعطاء الأولوية للقضايا المحلية.
وتُظهر الأرقام تبايناً واضحاً بين الدول. ففي ألمانيا، أيّد نحو 45 في المائة من المشاركين خفض المساعدات المالية لكييف، مقابل 20 في المائة فقط دعموا زيادتها. أما في فرنسا، ففضّل 37 في المائة تقليص الدعم، مقابل 24 في المائة أيدوا زيادته.
وعلى النقيض، سجّلت الولايات المتحدة أعلى نسبة مؤيدين لزيادة الدعم المالي بنسبة 37 في المائة، تلتها كندا بنسبة 35 في المائة، رغم تشكيك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العلني في فرص أوكرانيا لهزيمة روسيا.
وفي الولايات المتحدة، برز الانقسام الحزبي بوضوح، إذ كان مؤيدو المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس أكثر ميلاً لدعم أوكرانيا بدافع حماية الديمقراطية مقارنة بمؤيدي ترامب.
أما في أوروبا، فقد كانت المعارضة للمساعدات أكثر وضوحاً بين أنصار أحزاب اليمين المتطرف، مثل «البديل من أجل ألمانيا» و«التجمع الوطني» الفرنسي، بينما أبدى التيار الوسطي قدراً أقل من التشكيك.
وامتد هذا الانقسام ليشمل الدعم العسكري وقضية اللاجئين. ففي ألمانيا، أيد 39 في المائة خفض المساعدات العسكرية مقابل 26 في المائة دعموا زيادتها، كما عبّر نصف المستطلعين عن رغبتهم في تقليص استقبال اللاجئين الأوكرانيين وخفض الدعم المقدم لهم، في مؤشر واضح على تصاعد ما يمكن وصفه بـ«إرهاق الحرب».
ورغم هذا التراجع النسبي في دعم أوكرانيا بفرنسا وألمانيا، لا يعكس الاستطلاع تعاطفاً مع موسكو.
فقد أيّد المشاركون في الدول الخمس فرض عقوبات على روسيا، ما يشير إلى أن الرأي العام الغربي، حتى في أكثر الدول تشككاً في المساعدات، لا يزال متفقاً على معاقبة الطرف المعتدي، وإن اختلف حول حجم الكلفة التي ينبغي تحمّلها لتحقيق ذلك.



