سلسلة تحذيرات غير مسبوقة في المملكة المتحدة بشأن التهديد الروسي

مع اقتراب محادثات السلام بشأن أوكرانيا من مفترق طرق حاسم، أطلق كبار قادة الجيش والاستخبارات في المملكة المتحدة سلسلة تحذيرات غير مسبوقة بشأن التهديد الروسي، محذرين من أن الخطر الذي تمثله موسكو يتجاوز بكثير ساحة المعركة الأوكرانية، ويمتد ليطال أمن أوروبا وحلف شمال الأطلسي، بل والمملكة المتحدة نفسها.
وتأتي هذه التصريحات المتلاحقة في الوقت الذي تعمل فيه الحكومة البريطانية على إعداد خطط إنفاق دفاعي وُصفت بأنها تاريخية، وسط إدراك متزايد بأن البيئة الأمنية العالمية دخلت مرحلة أكثر اضطراباً وخطورة.
ويمكن تلخيص أبرز هذه التحذيرات في خمس رسائل أساسية تعكس حجم القلق داخل المؤسسة العسكرية البريطانية.
أول هذه التحذيرات يتمثل في تأكيد رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني (MI6)، بليز مترويلي، أن «تصدير الفوضى» بات سمة جوهرية في السياسة الروسية، وليس مجرد سلوك عابر.
فقد شدد مترويلي على أن روسيا بقيادة فلاديمير بوتين تتبنى نهجاً عدوانياً وتوسّعياً يهدف إلى زعزعة الاستقرار خارج حدودها، وأن الغرب يجب أن يستعد لاستمرار هذا السلوك ما لم يُجبر الكرملين على تغيير حساباته. الرسالة كانت واضحة: حتى لو توقفت الحرب في أوكرانيا، فإن التهديد الروسي لن يتوقف تلقائياً.
وجاء التحذير الثاني من قائد البحرية الملكية البريطانية، غوين جينكينز، الذي دق ناقوس الخطر بشأن تراجع التفوق البحري الغربي، ولا سيما في شمال الأطلسي.
وأكد أن الميزة التي تمتعت بها بريطانيا وحلفاؤها منذ نهاية الحرب الباردة لم تعد مضمونة، في ظل استثمارات ضخمة من قبل خصوم محتملين، وعلى رأسهم روسيا، في القدرات البحرية والهجمات تحت سطح البحر.
وحذر جينكينز من أن التراخي أو التقشف الدفاعي قد يؤديان إلى فقدان هذا التفوق الاستراتيجي.
أما التحذير الثالث فتمثل في ما وصفه وزير الدفاع البريطاني جون هيلي بـ«عهد جديد من التهديدات»، عقب دخول سفينة التجسس الروسية «يانتار» إلى المياه البريطانية.
وأوضح هيلي أن الحادثة استدعت رداً عسكرياً فورياً شمل نشر فرقاطة وطائرات استطلاع، مؤكداً أن أنشطة التجسس الروسية أصبحت أكثر جرأة وخطورة، وتشكل تهديداً مباشراً للبنية التحتية الحيوية والأمن القومي البريطاني.
وجاء التحذير الرابع على لسان نائب وزير الدفاع، آل كارنز، الذي أشار إلى أن أوروبا لم تعد تواجه «حروب الاختيار»، بل «حروب الضرورة».
واستشهد بالغزو الروسي لأوكرانيا كدليل على استعداد موسكو لاستخدام القوة العسكرية لتحقيق أهدافها، حتى لو كان الثمن دماراً واسعاً وخسائر بشرية جسيمة.
ودعا كارنز إلى استعداد أوروبي حقيقي لمواجهة احتمالات صراع مباشر أو غير مباشر، محذراً من أن تجاهل هذا الواقع سيؤدي إلى مفاجآت مكلفة.
أما التحذير الخامس والأكثر شمولاً، فقد صدر عن رئيس أركان الدفاع البريطاني، ريتشارد نايتون، الذي دعا «الأمة بأكملها» إلى الاستعداد لمواجهة تصاعد التهديد الروسي.
وأكد أن الخطر الحالي هو الأخطر الذي شهده طوال مسيرته العسكرية، وأن الرد عليه لا يمكن أن يقتصر على تعزيز القوات المسلحة وحدها، بل يتطلب تعبئة وطنية شاملة تشمل الاقتصاد، والبنية التحتية، والمجتمع.
وتكشف هذه التحذيرات مجتمعة عن تحول عميق في التفكير الاستراتيجي البريطاني، من التركيز على إدارة الأزمات إلى الاستعداد لصراع طويل الأمد في بيئة دولية غير مستقرة.
كما تعكس قناعة متزايدة بأن أي تسوية في أوكرانيا لن تعني بالضرورة عودة الأمن إلى أوروبا، بل قد تكون بداية مرحلة جديدة من المنافسة والصدام مع روسيا.
وفي ظل هذه الرؤية القاتمة، تسعى لندن إلى إقناع حلفائها بأن الاستثمار في الدفاع لم يعد خياراً سياسياً، بل ضرورة وجودية، وأن التردد أو الانقسام الغربي لن يؤدي إلا إلى تشجيع موسكو على اختبار حدود جديدة.



