شهد يمين الوسط الأوروبي أسبوعاً استثنائياً من المكاسب السياسية، تُوِّج بتعزيز نفوذ حزب الشعب الأوروبي داخل مؤسسات الاتحاد، في وقت برز فيه المستشار الألماني فريدريش ميرز ورئيس الحزب مانفريد ويبر بوصفهما مهندسي هذا التحول.
فمن ملفات المناخ والصناعة إلى الهجرة والتنظيم الاقتصادي، نجح الحزب في فرض أجندته وتقليص عدد من السياسات التي اعتُبرت خلال السنوات الماضية من المسلّمات الأوروبية.
وأكبر هذه الانتصارات تمثل في انتزاع اقتراح من المفوضية الأوروبية يلغي عملياً الحظر المفروض على محركات الاحتراق الداخلي بعد عام 2035، عبر خفض هدف خفض الانبعاثات لمصنعي السيارات من 100 في المائة إلى 90 في المائة.
وعكس هذا التعديل، الذي بدا حتى وقت قريب مستبعداً، قدرة ميرز وويبر على استثمار الهيمنة المؤسسية لحزب الشعب الأوروبي في البرلمان والمجلس والمفوضية، ودفع بروكسل إلى تغيير مسار إحدى أكثر ركائز السياسة المناخية رمزية.
ونجاحات الحزب لم تقتصر على قطاع السيارات. فقد دفع أيضاً نحو تخفيف قواعد مكافحة إزالة الغابات، وتقليص متطلبات سلاسل التوريد الخضراء للشركات، إلى جانب دعم إجراءات تسمح بتسريع عمليات ترحيل المهاجرين إلى دول ثالثة.
وبالنسبة لميرز، الذي خاض حملته الانتخابية في ألمانيا على وعود بإلغاء القيود وتعزيز تنافسية الاقتصاد، شكّلت هذه التطورات مادة سياسية مثالية لتسويق نفسه داخلياً بوصفه زعيماً قادراً على ترجمة شعاراته إلى نتائج ملموسة.
كما أن العلاقة الوثيقة بين ميرز وويبر كانت عاملاً حاسماً في هذا المسار. فقد تعزز تحالفهما خلال قمة قادة حزب الشعب الأوروبي في برلين مطلع العام، حيث استعرض ميرز علاقاته مع نخبة يمين الوسط الأوروبي، بينما أظهر ويبر قدرته على حشد رؤساء حكومات أوروبيين ودفعهم إلى الاصطفاف خلف أجندة الحزب.
وقد مكن هذا التناغم الطرفين من الضغط على رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، المنتمية أيضاً إلى حزب الشعب الأوروبي، ودفعها إلى تقديم تنازلات أثارت امتعاض حلفائها الوسطيين.
ويبر، الذي يرى نفسه في مواجهة مباشرة مع صعود اليمين المتطرف، قدّم هذه الانتصارات بوصفها جزءاً من استراتيجية أوسع لاحتواء الشعبوية. فهو يؤكد أن معالجة قضايا الهجرة وتخفيف الأعباء التنظيمية وسحب بعض عناصر الصفقة الخضراء من شأنها تقليص أسباب انجذاب الناخبين إلى الأحزاب المتطرفة. غير أن هذا الطرح لم يقنع خصومه في البرلمان.
فقد أثار إعلان ويبر وميرز عن “النصر” في ملف محركات الاحتراق قبل إقراره رسمياً غضب الليبراليين ويسار الوسط، الذين اعتبروا ذلك دليلاً على تفاهمات خلف الأبواب المغلقة مع المفوضية.
ورأت رئيسة كتلة “تجديد أوروبا” فاليري هاير في هذا السلوك إخلالاً بقواعد العمل المشترك داخل الائتلاف الوسطي الداعم لولاية فون دير لاين الثانية.
وتعمقت التوترات أكثر مع لجوء حزب الشعب الأوروبي، في بعض الملفات، إلى تمرير مواقفه بأصوات اليمين المتطرف، متجاوزاً حلفاءه التقليديين من الاشتراكيين والليبراليين.
ورغم نفي الحزب وجود تحالف رسمي مع تلك القوى، يؤكد خصومه أن أجندته باتت تقترب بشكل متزايد من طروحات اليمين.
وفي المحصلة، يعكس هذا الأسبوع الحافل بالانتصارات تحوّلاً واضحاً في ميزان القوى داخل الاتحاد الأوروبي، حيث يثبت ميرز وويبر أن يمين الوسط قادر على إعادة صياغة السياسات الكبرى.
لكن الثمن يبدو تصاعد الانقسامات داخل المعسكر الأوروبي التقليدي، ما يضع مستقبل التوافق المؤسسي على المحك.

