الناتو يحذّر: الصين تهديد متصاعد لأمن شبكات الطاقة في أوروبا

حذّرت نائبة الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، رادميلا شيكيرينسكا، من أن الصين باتت تشكّل خطراً جدياً على أمن الطاقة في أوروبا، لا يقل في طبيعته الاستراتيجية عن التهديد الروسي، في ظل الاعتماد الأوروبي الواسع على التقنيات والمواد الصينية الحيوية المرتبطة بقطاع الطاقة والتحول الأخضر.
وجاء هذا التحذير خلال اجتماع مغلق عقد هذا الأسبوع بين وزراء الطاقة في الاتحاد الأوروبي، حيث شددت شيكيرينسكا على أن نقاط الضعف في مجال الطاقة لم تعد مسألة اقتصادية أو بيئية فحسب، بل تحولت إلى قضية ذات أبعاد عسكرية وأمنية مباشرة، وفق ما أفاد به مسؤولان أوروبيان اطّلعا على تفاصيل النقاشات.
وبحسب ما نُقل عن شيكيرينسكا، فإن الخطر الصيني يتميّز بطابع “أكثر دهاءً” مقارنة بالتهديدات التقليدية، إذ يرتكز على هيمنة بكين على سلاسل التوريد الأوروبية في مجالات حيوية، تشمل توربينات الرياح، والألواح الشمسية، والمحولات، والبطاريات، إضافة إلى المواد الخام الحرجة التي تعتمد عليها الصناعات العسكرية والبنية التحتية للطاقة في القارة.
وأشارت المسؤولة في الناتو إلى أن سلاسل الإمداد اللوجستي العسكري الأوروبي تعتمد بشكل كبير على تقنيات ومواد قادمة من الصين، ما يفتح الباب أمام مخاطر استراتيجية طويلة الأمد، خاصة في أوقات الأزمات أو النزاعات.
ويعكس هذا التحذير تحولاً واضحاً في نظرة الناتو إلى ملف التحول الأخضر، الذي لم يعد يُنظر إليه فقط من زاوية المناخ، بل أيضاً من زاوية الأمن القومي.
وتدعم هذه المخاوف أرقام المفوضية الأوروبية، التي تُظهر أن الصين استحوذت في عام 2024 على نحو 98% من واردات الاتحاد الأوروبي من الألواح الشمسية، و24% من الوقود الحيوي، إضافة إلى حصة متزايدة من توربينات الرياح. هذا الاعتماد الواسع أثار قلقاً متزايداً داخل المؤسسات الأوروبية من إمكانية استخدامه كورقة ضغط جيوسياسي.
وفي أكتوبر الماضي، دعا مشرّعون أوروبيون إلى فرض قيود تهدف إلى تقليص هيمنة الصين على سوق تقنيات الطاقة المتجددة، مستهدفين بشكل خاص شركات كبرى مثل “هواوي”، التي تُعد من أبرز مصنّعي محولات الطاقة الشمسية المستخدمة على نطاق واسع في أوروبا.
ويتزامن التحذير من الخطر الصيني مع تصاعد المخاوف من تهديدات سيبرانية وهجينة تستهدف البنية التحتية للطاقة في أوروبا. فقد ناقش وزراء الطاقة الأوروبيون، خلال الاجتماع نفسه، حزمة جديدة للشبكات اقترحتها المفوضية الأوروبية، تهدف إلى تعزيز أمن شبكات الكهرباء ومعالجة نقاط الضعف الحرجة فيها.
وكشف تقرير حديث صادر عن قسم الحوسبة السحابية في شركة أمازون عن “حملة روسية مدعومة من الدولة” استمرت لسنوات، واستهدفت بشكل خاص قطاع الطاقة في أوروبا والولايات المتحدة والشرق الأوسط.
وربط التقرير هذه الهجمات بمجموعة “ساندوورم” الروسية، المرتبطة بالاستخبارات العسكرية الروسية، والتي يُعتقد أنها كانت وراء الهجوم الشهير على شبكة الكهرباء الأوكرانية عام 2015.
كما شهدت أوروبا خلال السنوات الأخيرة سلسلة من أعمال التخريب والهجمات الهجينة، شملت استهداف خطوط أنابيب وكابلات طاقة تحت البحر، ما عزز القناعة لدى صناع القرار بضرورة التعامل مع أمن الطاقة كجزء لا يتجزأ من منظومة الدفاع.
في هذا السياق، دعت شيكيرينسكا الدول الأوروبية إلى استغلال الزيادات في ميزانيات الدفاع لتعزيز الإنتاج المحلي، وتأمين سلاسل الإمداد، وتقليل الاعتماد على الموردين الخارجيين ذوي المخاطر العالية.
وأكدت أن ذلك يشمل تطوير إنتاج الوقود اللازم للنقل العسكري والطائرات المقاتلة، وتأمين مصادر كهرباء موثوقة لتشغيل تقنيات عسكرية حساسة مثل الرادارات والطائرات المسيّرة.
ويعكس هذا التوجه إدراكاً متنامياً داخل الناتو والاتحاد الأوروبي بأن أمن الطاقة لم يعد ملفاً تقنياً منفصلاً، بل أصبح ساحة مركزية في الصراع الجيوسياسي العالمي، حيث تتقاطع المصالح الاقتصادية مع اعتبارات الأمن والدفاع.



