قمة أوكرانيا الحاسمة: أزمات التمويل والانقسام السياسي تختبر وحدة الاتحاد الأوروبي

يجتمع قادة الاتحاد الأوروبي، الخميس، في قمة وُصفت بالحاسمة لمستقبل أوكرانيا ولمصداقية التكتل نفسه، وسط انقسامات حادة حول التمويل، وضغوط خارجية متزايدة، وتباين في المواقف إزاء مسار الحرب والسلام مع روسيا.
وتأتي القمة في وقت حرج، مع اقتراب أوكرانيا من نفاد مواردها المالية خلال النصف الأول من العام المقبل، وتصاعد الخلاف مع الولايات المتحدة حول إدارة الملف الأوكراني.
ويُنظر إلى اجتماع المجلس الأوروبي على أنه اختبار حقيقي لقدرة الاتحاد على التحول من ساحة نقاش إلى فاعل سياسي قادر على اتخاذ قرارات مصيرية.
وحذّر المستشار الألماني فريدريش ميرز من أن فشل القمة سيُلحق “ضرراً بالغاً” بالاتحاد الأوروبي لسنوات، في إشارة إلى المخاطر التي تهدد تماسك التكتل ودوره الدولي.
ويتمثل أبرز الملفات المطروحة في مصير نحو 210 مليارات يورو من الأصول الروسية المجمدة داخل الاتحاد الأوروبي، والتي يسعى التكتل إلى استخدامها لتمويل قرض ضخم لأوكرانيا يهدف إلى الحفاظ على استقرارها المالي.
غير أن هذا المقترح يواجه معارضة قوية، في مقدمتها بلجيكا، التي تحتضن شركة “يوروكلير” حيث يتركز الجزء الأكبر من هذه الأصول.
وتخشى بروكسل من تبعات قانونية محتملة ومن ردود انتقامية روسية، وهو ما دفع رئيس الوزراء البلجيكي بارت دي ويفر إلى التمسك برفضه، مدعوماً بموقف داخلي متماسك. كما أبدت دول أخرى مثل إيطاليا وبلغاريا ومالطا تحفظات مماثلة، ما يضع القمة أمام مأزق حقيقي.
ويشكل هذا التعثر خبراً سيئاً لكييف، التي تواجه عجزاً في ميزانيتها يقدّر بنحو 71.7 مليار يورو العام المقبل، وقد تضطر إلى خفض الإنفاق العام اعتباراً من أبريل إذا لم يتم تأمين مصادر تمويل بديلة.
وطرحت بعض الدول، من بينها ألمانيا ولاتفيا، فكرة تمرير القرار عبر التصويت بالأغلبية المؤهلة بدلاً من الإجماع، ما يسمح بتجاوز الموقف البلجيكي. إلا أن مسؤولين بلجيكيين أكدوا أن هذه الخطوة ستكون بلا جدوى عملياً، لأن الأموال لن تُفرج دون تعاون السلطات البلجيكية.
وبحسب دبلوماسيين أوروبيين، فإن الهدف الأساسي للقمة هو انتزاع تنازل من بلجيكا، حتى لو تطلب الأمر مفاوضات تمتد إلى ساعات متأخرة من الليل.
وفي حال فشل التوصل إلى اتفاق بشأن الأصول الروسية، سيضطر الاتحاد الأوروبي إلى البحث عن بدائل أخرى لدعم أوكرانيا.
وفي هذا السياق، فتحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين الباب أمام خيار الاقتراض المشترك، المدعوم بميزانية الاتحاد للأعوام السبعة المقبلة، كخطة احتياطية.
غير أن هذا المسار بدوره يواجه عقبات سياسية، إذ يتطلب استبعاد دول مثل المجر وسلوفاكيا، المعارضتين لتقديم مزيد من المساعدات لكييف، ما يعني أن الاتفاق قد يشمل 25 دولة فقط من أصل 27.
وإلى جانب التمويل، سيناقش القادة تطورات المساعي الدبلوماسية لإنهاء الحرب، في ظل مقترحات أمريكية مثيرة للجدل، وضغوط أوروبية لضمان دور مستقل في أي تسوية مستقبلية.
كما ستتناول القمة قضايا القدرة التنافسية للاقتصاد الأوروبي في مواجهة الضغوط الأمريكية والصينية، إضافة إلى عودة ملف توسيع الاتحاد الأوروبي إلى الواجهة مع تقدم دول غرب البلقان في مسار الانضمام.
في المحصلة، تبدو القمة محمّلة بملفات متشابكة، وسيكون فشلها أو نجاحها مؤشراً حاسماً على مستقبل الاتحاد الأوروبي كقوة سياسية موحدة في عالم يزداد اضطراباً.



