رئيسيشئون أوروبية

قمة بروكسل تكشف التردد الأوروبي: المال مؤجَّل… وأوكرانيا تدفع الثمن

كشفت قمة الاتحاد الأوروبي الأخيرة بوضوح أن القارة العجوز ما زالت غير مستعدة لتحمّل الكلفة الكاملة لإنقاذ أوكرانيا، رغم الخطاب السياسي الحاد الذي يربط أمن أوروبا مباشرةً بنتائج الحرب الدائرة شرقًا.

فعلى الرغم من التحذيرات المتكررة من أن التردد المالي اليوم قد يعني مواجهة عسكرية غدًا، اختار القادة الأوروبيون مرة أخرى حلولًا وسطية تؤجل الحسم ولا تعالجه جذريًا.

وقد دخل رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك القمة برسالة صارخة: «إما المال اليوم أو الدماء غدًا»، في إشارة إلى أن وقف روسيا في أوكرانيا هو خط الدفاع الأول عن أوروبا نفسها. غير أن هذه المعادلة، على بساطتها، اصطدمت بانقسامات أوروبية عميقة حول سؤال واحد: من سيدفع الفاتورة؟

وفي الساعات الأولى من فجر الجمعة، وبعد مفاوضات شاقة، توصل قادة الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق لاقتراض 90 مليار يورو من الأسواق المالية لدعم أوكرانيا خلال العامين المقبلين.

وقدّم هذا القرار على أنه التزام أوروبي تاريخي، إلا أن تفاصيله تكشف نمطًا متكررًا: تجنّب الدفع المباشر، والبحث عن مصادر تمويل غير مؤلمة سياسيًا.

فبعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ووقف التمويل الأمريكي لأوكرانيا، اضطر الأوروبيون إلى زيادة مساهماتهم، لكنها بقيت دون المستوى المطلوب لسد الفجوة المالية الهائلة التي خلّفها الانسحاب الأمريكي.

وبحسب صندوق النقد الدولي، تواجه كييف عجزًا تمويليًا قد يصل إلى 72 مليار يورو خلال العام المقبل وحده.

داخل أروقة القمة، دارت معركة صامتة حول استخدام الأصول الروسية المجمدة، خصوصًا تلك المودعة في بلجيكا. فقد دفعت ألمانيا ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين باتجاه الاستيلاء على هذه الأصول لتمويل أوكرانيا، إلا أن بلجيكا ودولًا أخرى عارضت الخطة خوفًا من تداعيات قانونية وانتقام روسي محتمل.

ومع سقوط هذا الخيار، عاد الاتحاد الأوروبي إلى حل الاقتراض المشترك، المضمون من ميزانيته العامة.

لكن هذا الحل لم يكن محل إجماع أيضًا. فبموجب الاتفاق النهائي، امتنعت كل من المجر والتشيك وسلوفاكيا عن المشاركة في خطة التمويل، ما حوّل الاتحاد فعليًا إلى تكتل من 24 دولة فقط في هذا الملف، وأبرز هشاشة الإجماع الأوروبي في أكثر القضايا المصيرية.

وتعكس بيانات معهد كيل للفترة الأخيرة هذا الانقسام بوضوح. فبينما زادت دول مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا دعمها لأوكرانيا، لا تزال دول الشمال الأوروبي تتصدر من حيث نسبة الإنفاق قياسًا بالناتج المحلي الإجمالي، في مقابل مساهمات محدودة جدًا من دول كإيطاليا وإسبانيا.

وتشير التقديرات إلى أن حجم المساعدات الجديدة في عام 2025 قد يكون الأدنى منذ اندلاع الحرب.

الأكثر إثارة للقلق هو تراجع الدعم الشعبي في بعض كبرى دول الاتحاد.

فقد أظهرت استطلاعات رأي حديثة أن قطاعات واسعة من الرأي العام في ألمانيا وفرنسا تميل إلى خفض المساعدات لأوكرانيا، ما يضع القادة الأوروبيين أمام معادلة سياسية داخلية معقدة.

في النهاية، ورغم أن الاتحاد الأوروبي يمتلك – نظريًا – قوة اقتصادية تفوق روسيا بأضعاف، فإن قمة بروكسل أظهرت أن الإرادة السياسية لا تزال أقل من الإمكانات المتاحة، وأن أوروبا ما زالت تفضّل تأجيل الدفع، حتى لو كان الثمن استمرار الحرب واستنزاف أوكرانيا أكثر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى