Site icon أوروبا بالعربي

مهمة زيلينسكي الأصعب: تسويق التنازل عن الأرض مقابل السلام

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي

رغم التفاؤل الحذر الذي أبداه قادة أوكرانيا والولايات المتحدة وأوروبا عقب جولة محادثات السلام الأخيرة، يواجه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تحدياً داخلياً بالغ التعقيد: إقناع شعبه باتفاق قد يتضمن انسحاباً من أراضٍ قاتل الجنود الأوكرانيون وماتوا دفاعاً عنها.

وتحدث الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن اقتراب غير مسبوق من اتفاق سلام، فيما لمح مسؤولون روس إلى تقدم ملموس، رغم استمرار الخلافات الجوهرية.

أما زيلينسكي، فرغم إقراره بوجود “أسئلة صعبة” تتعلق بالأراضي، شدد على أن موقف موسكو الحقيقي من السلام لا يزال موضع شك.

لكن المسألة الأكثر حساسية لا تتعلق فقط بروسيا، بل بالرأي العام الأوكراني نفسه.

وكشف استطلاع حديث لمعهد كييف الدولي لعلم الاجتماع أن 75% من الأوكرانيين يرفضون بشكل قاطع أي خطة سلام تتضمن تنازلات إقليمية. هذه النسبة المرتفعة تعكس فجوة خطيرة بين مسار التفاوض الدولي والمزاج الشعبي الداخلي.

وفي المقابل، أظهر الاستطلاع أن 72% من الأوكرانيين قد يقبلون بتجميد خطوط المواجهة الحالية، بشرط توافر ضمانات أمنية غربية موثوقة، وعدم الاعتراف دولياً بالأراضي التي تحتلها روسيا كجزء من أراضيها.

ويُدرك زيلينسكي أن أي اتفاق لا يتضمن ضمانات أمنية قوية مدعومة من الولايات المتحدة لن يكون قابلاً للتسويق داخلياً. فالضمانات ليست فقط وسيلة لردع غزو روسي جديد، بل أداة سياسية لتبرير أي تنازل محتمل بوصفه ثمناً لمنع عودة الحرب.

في هذا السياق، طُرحت فكرة تحويل الأجزاء غير المحتلة من دونباس إلى “منطقة اقتصادية حرة” بدلاً من تسليمها لروسيا.

ورغم أن زيلينسكي لم يستبعد هذا المقترح كلياً، إلا أنه شدد على أن المنطقة الاقتصادية الحرة لا تعني الخضوع للسيادة الروسية.

البرلمان يقف سداً أمام أي انسحاب

يشكك المشرعون الأوكرانيون، من الحزب الحاكم والمعارضة على حد سواء، في قدرة زيلينسكي على تمرير اتفاق يتضمن تنازلات إقليمية.

وأكدت النائبة المعارضة أولكساندرا أوستينوفا أن البرلمان لن يقرّ مثل هذا الاتفاق، معتبرة أنه سيُنظر إليه كاستسلام بعد كل ما تعرض له الأوكرانيون.

وتُظهر بيانات معهد كييف الدولي أن 63% من الأوكرانيين مستعدون لمواصلة القتال “طالما لزم الأمر”، وهي نسبة ارتفعت مجدداً بعد تراجع مؤقت، ما يشير إلى صمود اجتماعي رغم إرهاق الحرب.

أزمة قيادة وتوافق سياسي مفقود

أقر مسؤول أوكراني سابق بصعوبة بناء إجماع سياسي حول أي انسحاب، مشيراً إلى أن زيلينسكي سيضطر للتفاوض مع نخب سياسية وعسكرية لا تثق به، من أجل توحيد الرسالة بأن الاتفاق هو “أفضل الممكن”.

غير أن قدرة الرئيس على إدارة هذا المسار محل شك، خصوصاً بعد استقالة أندريه ييرماك، رئيس ديوانه السابق، والذي كان يتمتع بمهارات تفاوضية عالية رغم الجدل الذي أحاط به.

كما يواجه زيلينسكي انتقادات بسبب أسلوب حكم مركزي، واتهامات بتهميش البرلمان والمعارضة، وهو ما قد يعرقل أي محاولة لبناء توافق وطني واسع.

وتشير تحذيرات من داخل الطبقة السياسية إلى أن فرض تنازلات إقليمية قد يؤدي إلى اضطرابات داخلية خطيرة. فعدد من المقاتلين والوطنيين قد يعتبرون أي انسحاب “طعنة في الظهر”، وهو سيناريو أعادت أوستينوفا ربطه بتجارب تاريخية انتهت بحروب أهلية.

في المحصلة، قد يكون السلام قريباً على طاولة المفاوضات، لكنه بعيد المنال داخل المجتمع الأوكراني. وبين ضغوط الحلفاء ومزاج الشارع، يجد زيلينسكي نفسه أمام أصعب معركة سياسية في ولايته.

Exit mobile version