الاتحاد الأوروبي يسعى لمواجهة وول ستريت لكن مستثمريه الصغار يظلون الحلقة الأضعف

بعد أكثر من عامين ونصف من المفاوضات الشاقة، توصل الاتحاد الأوروبي في الساعات الأولى من صباح الخميس إلى اتفاق سياسي حول تعديل واسع لقواعد استثمارات الأفراد في منتجات مثل الأسهم والسندات وصناديق الاستثمار.
وقدّم المشرعون والحكومات هذا الاتفاق بوصفه خطوة مهمة لدفع المواطنين الأوروبيين نحو الاستثمار وتعميق أسواق المال في القارة، في محاولة لمنافسة هيمنة وول ستريت الأميركية.
غير أن النسخة النهائية من الاستراتيجية جاءت، بحسب مراقبين، أقل بكثير من طموحات بروكسل الأصلية، وتُبقي صغار المستثمرين عرضة للاستغلال من القطاع المالي.
ويعد الاتفاق الجديد جزءًا من مشروع أوسع للاتحاد الأوروبي يهدف إلى تشجيع المدخرين على توظيف أموالهم في الأسواق المالية بدل إبقائها في الحسابات المصرفية، بما يدعم النمو الاقتصادي ويقلّص الفجوة مع الأسواق الأميركية.
لكن خلف الخطاب المتفائل، يرى منتقدون أن الخطة تراجعت تحت ضغط مكثف من جماعات الضغط المالية والحكومات الوطنية الحريصة على حماية مؤسساتها المصرفية وشركات إدارة الأصول.
وقال كاريل لانو، الرئيس التنفيذي لمركز الدراسات السياسية الأوروبية (CEPS)، إن الصفقة تمثل «بداية خاطئة» لخطة أسواق رأس المال الأوروبية، مضيفًا أنها «يجب أن تُسحب» لأنها فشلت في معالجة جوهر المشكلة المتمثلة في تضارب المصالح داخل القطاع المالي.
وكانت المفوضية الأوروبية قد اقترحت في البداية حزمة قواعد طموحة تتضمن حماية صارمة للمستهلكين، تهدف إلى منع المستشارين الماليين من توجيه المستثمرين الأفراد نحو منتجات لا تحقق لهم أفضل العوائد، وإنما تخدم مصالح البنوك وشركات إدارة الأصول عبر الرسوم والعمولات.
ومن بين أبرز هذه المقترحات، سعي بروكسل إلى حظر العمولات التي تتقاضاها المؤسسات المالية مقابل الترويج لمنتجات استثمارية بعينها، نظرًا لما تمثله من تضارب واضح في المصالح.
كما أرادت المفوضية فرض معايير موحدة على مستوى الاتحاد الأوروبي لتقييم تكلفة وأداء المنتجات المالية، بما يضمن حصول المستثمرين على «قيمة عادلة مقابل المال».
لكن هذه الأفكار قوبلت برفض شديد من القطاع المالي، وواجهت معارضة من غالبية الحكومات الأوروبية. ونتيجة لذلك، تم التخلي عن حظر العمولات قبل حتى إدراج النص رسميًا، في مؤشر واضح على قوة نفوذ وول ستريت والقطاع المالي الأوروبي داخل أروقة صنع القرار.
وبموجب الاتفاق الذي أُقرّ هذا الأسبوع، سيُسمح للشركات والمستشارين الماليين بالاستمرار في تقاضي العمولات، شرط التحقق مما إذا كانت هذه العمولات تحقق «فائدة ملموسة» للعميل، والإفصاح عنها بشكل منفصل عن الرسوم الأخرى.
وبدل الالتزام بمعايير عامة على مستوى الاتحاد الأوروبي، ستقوم معظم الشركات بمقارنة منتجاتها بمنتجات منافسين آخرين في السوق.
ويرى منتقدون أن هذه المقاربة لا توفر حماية حقيقية. وقال لانو إن السماح بالعمولات «خطأ جوهري» لأنها تقوض الشفافية والمنافسة، وهما عنصران أساسيان لجعل الاستثمار جذابًا ومستدامًا على المدى الطويل.
من جانبها، اعتبرت منظمة المستهلكين الأوروبية (BEUC) أن إلغاء العمولات بالكامل كان سيكون «أبسط وأكثر فعالية» لضمان تقديم نصائح مالية عادلة للمستثمرين الأفراد.
في المقابل، حاول المدافعون عن الاتفاق تسويقه بوصفه توازنًا بين حماية المستهلك وتعزيز تنافسية الأسواق الأوروبية.
وقالت وزيرة الشؤون الاقتصادية الدنماركية ستيفاني لوز إن الصفقة ستمنح «دفعة مرحب بها لقدرة الاتحاد الأوروبي التنافسية» وتُسهم في تبسيط تنظيم الخدمات المالية. كما اعتبرت النائبة الرئيسية ستيفاني يون كورتين أن الاتفاق ينقل خطة أسواق المال «من النظرية إلى الواقع».
لكن حتى القطاع المالي، الذي نجح في إضعاف القيود، لم يُخفِ تحفظاته. فقد رحبت جماعة الضغط الخاصة بإدارة الأصول (ICI) بالتخلي عن «معايير التكلفة والأداء الجامدة»، لكنها حذرت من أن اختبارات القيمة مقابل المال قد تتحول إلى «إجراء شكلي مرهق».
ودافعت مفوضة الخدمات المالية ماريا لويس ألبوكيرك عن الخطة، مؤكدة أن الأهم هو «ما يحصل عليه المستثمر بعد دفع الرسوم». غير أن النقاش الدائر يكشف معضلة أعمق: الاتحاد الأوروبي يريد بناء سوق مالية قوية تنافس وول ستريت، لكنه حتى الآن يبدو عاجزًا عن تحقيق ذلك دون التضحية بحماية مستثمريه الصغار.



