رحّبت باريس بإعلان الكرملين عن استعداد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للدخول في حوار مباشر مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن الحرب في أوكرانيا، في خطوة تعكس حراكًا دبلوماسيًا حذرًا وسط مساعٍ أوروبية لضمان دور فاعل في أي مفاوضات سلام محتملة.
وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، الأحد، إن بوتين «أعرب عن استعداده لإجراء محادثات» مع الرئيس الفرنسي حول الملف الأوكراني، وفق ما نقلته وسائل إعلام روسية ودولية.
وسرعان ما جاء رد الإليزيه إيجابيًا، إذ اعتبرت الرئاسة الفرنسية أن الإعلان الروسي «موضع ترحيب»، مؤكدة أن باريس ستبحث «في الأيام المقبلة أفضل السبل للمضي قدمًا» في هذا المسار.
ويأتي هذا التطور بعد أيام من تصريحات لماكرون خلال قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل، قال فيها إن من «المفيد» لأوروبا فتح قنوات تواصل مع موسكو، محذرًا من أن تظل أي تسوية سياسية للحرب محصورة بين الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا فقط، من دون مشاركة أوروبية مباشرة.
وأضاف الرئيس الفرنسي أن الأوروبيين، إلى جانب الأوكرانيين، «بحاجة إلى إطار مناسب لإجراء نقاش جدي ومسؤول» حول مستقبل النزاع.
وأكد قصر الإليزيه أن أي تواصل محتمل مع موسكو سيتم «بشفافية كاملة» وبالتنسيق الوثيق مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والشركاء الأوروبيين، في محاولة لطمأنة كييف وحلفاء فرنسا إلى أن باريس لا تسعى إلى قنوات موازية أو صفقات منفردة مع الكرملين.
ويُعدّ هذا الانفتاح النسبي لافتًا في ظل الجمود الذي طبع العلاقات بين باريس وموسكو منذ بدء الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا مطلع عام 2022.
فمنذ ذلك الحين، تراجع التواصل المباشر بين ماكرون وبوتين إلى حد كبير، واقتصر على محطات محدودة، كان آخرها اتصال هاتفي جرى في يوليو الماضي بعد انقطاع دام قرابة ثلاث سنوات.
ويرى مراقبون أن تصريحات ماكرون تعكس قلقًا أوروبيًا متزايدًا من احتمال تهميش دور القارة في أي مفاوضات سلام مستقبلية، خصوصًا في ظل إشارات متكررة إلى تحركات دبلوماسية تقودها واشنطن، واحتمالات تفاهمات ثنائية مع موسكو.
وتخشى عواصم أوروبية من أن يؤدي هذا السيناريو إلى ترتيبات أمنية لا تراعي بالكامل مصالح أوروبا أو أوكرانيا على المدى البعيد.
في المقابل، يبقى الغموض مسيطرًا على نوايا الكرملين الفعلية، إذ لم يصدر حتى الآن أي جدول زمني أو تفاصيل ملموسة بشأن طبيعة الحوار المقترح أو شروطه. كما لم تُبدِ موسكو تغييرًا واضحًا في مواقفها المعلنة حيال الحرب أو مطالبها السياسية.
ورغم ذلك، ترى باريس أن مجرد إبداء الاستعداد للحوار قد يفتح نافذة دبلوماسية محدودة في مرحلة شديدة التعقيد. غير أن نجاح أي مسعى من هذا النوع سيظل مرهونًا بمدى استعداد الأطراف المعنية، وعلى رأسها روسيا، للانخراط في مسار تفاوضي جدي لا يُقصي أوكرانيا ولا يتجاوز الشركاء الأوروبيين.

