يواجه قطاع الاتصالات الأوروبي لحظة حاسمة مع اقتراب إطلاق إصلاحات تنظيمية طال انتظارها في يناير، ترى فيها شركات الاتصالات فرصة أخيرة لمعالجة أزمات مزمنة أعاقت الاستثمار وأضعفت تنافسية الشبكات الرقمية في القارة.
فبعد سنوات من النقاشات والخلافات، تستعد المفوضية الأوروبية لإطلاق قانون الشبكات الرقمية (DNA) في 20 يناير، وهو تشريع يهدف إلى تحديث قواعد الاتحاد الأوروبي المنظمة للاتصالات، ودعم نشر شبكات الجيل الخامس والألياف الضوئية، وتحفيز الاستثمارات في البنية التحتية الرقمية. وتصفه شركات الاتصالات بأنه اختبار حقيقي لقدرة الاتحاد على تصحيح أخطاء تراكمت على مدى عقدين.
ولطالما اشتكت شركات الاتصالات الكبرى من أن اللوائح التنظيمية الصارمة وتجزؤ السوق الأوروبية يحولان دون توسعها وتحقيق أرباح مستدامة، مقارنة بمنافسيها في الولايات المتحدة وآسيا.
ووفقًا لهذه الشركات، فإن هذا الوضع انعكس سلبًا على جودة خدمات الهاتف المحمول والإنترنت، وأضعف قدرة أوروبا على مواكبة التحول الرقمي العالمي.
وقال أليساندرو غروبيلي، المدير العام لجمعية التجارة الأوروبية للاتصالات “كونكت أوروبا”، إن القطاع يُطالَب اليوم بتأمين شبكات آمنة، والاستعداد للجيل السادس، ودعم الحوسبة السحابية، والمساهمة في الدفاع، دون أن تُوفَّر له البيئة التنظيمية المناسبة. وأضاف: “إذا كانت أوروبا تريد هذه النتائج، فعليها تهيئة الشروط اللازمة لتحقيقها”.
غير أن مسار الإصلاح لم يكن سهلًا. فالمقترحات التي طُرحت لأول مرة عام 2023، بدفع من المفوض الأوروبي السابق تييري بريتون، واجهت مقاومة شديدة من أطراف عدة، من بينها مشغلون صغار، وهيئات تنظيمية وطنية، ودول أعضاء، إضافة إلى شركات التكنولوجيا الكبرى.
ومن أبرز نقاط الخلاف: ما إذا كان ينبغي إلزام منصات مثل “نتفليكس” و”يوتيوب” و”تيك توك” بالمساهمة في تمويل توسيع الشبكات، وكيفية الحفاظ على مبدأ حيادية الإنترنت.
كما أثار رحيل بريتون، المعروف بدعمه لقطاع الاتصالات، مخاوف داخل الصناعة من تراجع الزخم السياسي للإصلاح. وعبّر مسؤولون تنفيذيون عن شعور متزايد بأن القطاع “غير مُقدَّر بما يكفي” في بروكسل، محذرين من أن أي تشريع يفتقر إلى الطموح سيُفاقم الأزمة بدل حلها.
في المقابل، يرى معارضو الإصلاحات الواسعة أن المفوضية تُبالغ في تشخيص المشكلة. فقد حذّرت تسع شركات اتصالات بديلة، في رسالة مشتركة، من أن تخفيف القيود على المشغلين الكبار قد يؤدي إلى إعادة الاحتكار وتقويض المنافسة، وهو ما سينعكس سلبًا على المستهلكين.
وتزداد التعقيدات مع بدء تشكّل معارضة سياسية داخل مجلس الاتحاد الأوروبي. فقد دعت ست دول، بينها فنلندا وإيرلندا ولوكسمبورغ، إلى التركيز على حماية المستخدمين، محذّرة من أن الدمج الواسع في القطاع قد يقلل المنافسة.
كما أبدت دول كبرى مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا تحفظها على اعتماد لائحة موحّدة، مفضّلة توجيهًا يراعي الخصوصيات الوطنية.
ومع دخول المقترح المسار التشريعي، يُتوقع أن تمتد المفاوضات لأشهر طويلة. وبينما ترى شركات الاتصالات أن الوقت ينفد، تحذر من أن إصلاحًا ضعيفًا قد يدفع المستثمرين إلى الانسحاب، ويترك أوروبا بشبكات أقل سيادة وأضعف أمنًا. في هذا السياق، يبدو أن إصلاح يناير لن يكون مجرد تعديل تقني، بل قرارًا استراتيجيًا سيحدد مستقبل الاتصال الرقمي في أوروبا.

