Site icon أوروبا بالعربي

دلالات فرض واشنطن عقوبات على مفوض أوروبي سابق وأربعة ناشطين أوروبيين

الاتحاد الأوروبي

في خطوة غير مسبوقة هزّت أوساط السياسة الأوروبية والدبلوماسية عبر الأطلسي، فرضت الولايات المتحدة عقوبات تمثلت في حظر التأشيرات على مفوض أوروبي سابق وأربعة ناشطين أوروبيين، بسبب دورهم في جهود الحد من خطاب الكراهية والمعلومات المضللة على الإنترنت.

ويحمل القرار، الذي أعلنته إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، دلالات سياسية وقانونية عميقة تتجاوز الأسماء المستهدفة، وتمس جوهر الصراع المتصاعد بين واشنطن وبروكسل حول تنظيم الفضاء الرقمي وحدود حرية التعبير.

وشملت العقوبات المفوض الأوروبي السابق الفرنسي تيري بريتون، أحد أبرز مهندسي قانون الخدمات الرقمية للاتحاد الأوروبي، إلى جانب مواطنين بريطانيين وألمان وفرنسيين ينشطون في منظمات تعنى بمكافحة خطاب الكراهية والتضليل.

ووفق وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، فإن هؤلاء تورطوا في «جهود قمعية» تهدف، بحسب وصفه، إلى فرض رقابة على المنصات الرقمية الأمريكية وإسكات أصوات محافظة داخل الولايات المتحدة.

الدلالة الأولى لهذا القرار تكمن في كونه تصعيدًا مباشرًا ضد الإطار التشريعي الأوروبي المنظم للتكنولوجيا.

فقانون الخدمات الرقمية، الذي دافع عنه بريتون بقوة، مثّل تحوّلًا تاريخيًا في تعامل الاتحاد الأوروبي مع عمالقة التكنولوجيا، عبر فرض التزامات صارمة على شركات مثل «ميتا» و«إكس» و«آبل» للحد من المحتوى غير القانوني وخطاب الكراهية.

ومن منظور واشنطن، خصوصًا في ظل إدارة ترامب، فإن هذه القوانين لا تُعد فقط تنظيمًا داخليًا أوروبيًا، بل تهديدًا مباشرًا للمصالح الاقتصادية والسياسية الأمريكية.

أما الدلالة الثانية، فتتصل بإعادة تعريف مفهوم حرية التعبير في الغرب. فبينما يرى الاتحاد الأوروبي أن مكافحة خطاب الكراهية والتضليل ضرورة لحماية المجتمعات والديمقراطيات، تتبنى الإدارة الأمريكية الحالية قراءة أوسع لحرية التعبير، ترفض أي تدخل تنظيمي حكومي في المحتوى الرقمي، حتى لو كان هذا المحتوى مضللًا أو تحريضيًا.

وبذلك، تتحول العقوبات إلى أداة أيديولوجية تعكس صدامًا بين نموذجين ديمقراطيين مختلفين، لا مجرد خلاف قانوني.

الدلالة الثالثة تتعلق باستخدام العقوبات كوسيلة ضغط سياسية على الحلفاء، وليس على الخصوم فقط. ففرض حظر تأشيرات على مسؤول أوروبي سابق وناشطين مدنيين يُعد سابقة خطيرة في العلاقات عبر الأطلسي، ويعكس استعداد واشنطن لاستخدام أدوات القوة الناعمة والخشنة معًا لفرض رؤيتها.

وهو ما دفع مسؤولين أوروبيين، من بينهم وزراء خارجية فرنسا وألمانيا، إلى وصف الخطوة بأنها «غير مقبولة» وتمس بالسيادة الأوروبية.

كما تكشف هذه الخطوة عن توظيف ملف «الرقابة الرقمية» في السياسة الداخلية الأمريكية. فإدارة ترامب، التي تحظى بدعم قوي من التيارات المحافظة واليمين الشعبوي، تقدم نفسها كمدافع عن حرية التعبير في مواجهة ما تصفه بـ«الليبرالية الأوروبية الرقابية».

وفي هذا السياق، تصبح مهاجمة شخصيات أوروبية مثل بريتون رسالة موجهة للناخب الأمريكي بقدر ما هي رسالة دبلوماسية لبروكسل.

من زاوية أوسع، تشير العقوبات إلى انتقال الخلاف الأمريكي الأوروبي من مرحلة التباين الصامت إلى المواجهة العلنية. فبدل الاكتفاء بالضغوط الدبلوماسية أو المفاوضات التجارية، تلجأ واشنطن إلى إجراءات عقابية رمزية لكنها شديدة الدلالة، قد تفتح الباب أمام ردود أوروبية مقابلة، سواء على المستوى السياسي أو التنظيمي.

في المحصلة، لا تعكس العقوبات الأمريكية مجرد خلاف حول خطاب الكراهية أو المعلومات المضللة، بل تعبّر عن صراع أعمق حول من يضع قواعد العالم الرقمي، ومن يملك سلطة تعريف الحرية والمسؤولية في الفضاء الإلكتروني. وهو صراع مرشح للتصاعد، في ظل تشابك المصالح الاقتصادية، وتزايد دور التكنولوجيا في تشكيل الرأي العام والسياسات الدولية.

Exit mobile version