رئيسيشئون أوروبية

تقرير: أسئلة ماكرون الثلاثة تكشف عمق الأزمة السياسية في فرنسا

يواجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون واحدة من أعقد الأزمات في ولايته الثانية بعد أسبوع حافل بالأحداث السياسية غير المسبوقة. فبعد استقالة حكومة رئيس الوزراء سيباستيان ليكورنو بعد 14 ساعة فقط من تشكيلها، ثم إعادة تعيينه، وجد ماكرون نفسه محاصرًا داخل أزمة ثقة تتعمق مع كل يوم يمر.

في اجتماع مغلق عُقد يوم الجمعة الماضي في قصر الإليزيه، جمع ماكرون زعماء الأحزاب السياسية الرئيسية في محاولة لإيجاد مخرج للأزمة. بدأ اللقاء بطرح ثلاثة أسئلة مباشرة: من يريد تجنب حل البرلمان؟ هل ستدعمون الحكومة؟ وما الذي أنتم مستعدون للتنازل عنه؟

كانت الإجابات كفيلة بكشف هشاشة الموقف. معظم المشاركين رفضوا تقديم دعم واضح للحكومة المقبلة. الحزب الاشتراكي أعلن معارضته، فيما وضع حزب الجمهوريين المحافظ شروطًا مسبقة تتعلق بعدم المساس بقانون رفع سن التقاعد الذي أثار احتجاجات واسعة سابقًا. أما إدوارد فيليب، أول رئيس وزراء لماكرون، فاختار الصمت، تاركًا الرئيس في عزلة شبه تامة.

الحضور شمل قادة الأحزاب الوسيطة في البلاد، بعد أن استُبعد اليسار المتشدد بقيادة حزب فرنسا المتمردة واليمين المتطرف بزعامة حزب التجمع الوطني. دخل الزعماء القصر الرئاسي بعد دعوة أُرسلت في ساعة مبكرة من الصباح، وسط اهتمام إعلامي كبير، وتمت مصادرة هواتفهم عند الدخول منعًا لتسريب النقاشات.

خلال الاجتماع، بدا أن ماكرون اكتفى بالاستماع من دون تدخل مباشر، لكن النقاشات أظهرت أن إعادة تكليف ليكورنو بتشكيل الحكومة كانت خطوة محسومة. هذا القرار أثار حفيظة المعارضة، التي اعتبرت أن الرئيس يكرر أخطاءه عبر تجاهل نتائج الانتخابات المبكرة في الصيف الماضي التي أفقدته الأغلبية البرلمانية.

يصف المقربون من ماكرون سلوكه بأنه يشبه المقامر الذي يعتقد دائمًا أنه على بُعد خطوة من الفوز، حتى بعد سلسلة خسائر. غير أن قراره الأخير بإعادة ترشيح ليكورنو أثار انتقادات داخل معسكره نفسه، إذ رأى البعض أنه تجاهل دعوات تشكيل حكومة توافق وطني.

غادر ممثلو أحزاب اليسار الاجتماع وهم في حالة صدمة، معتبرين أن الرئيس لم يقدم أي رؤية جديدة. ومع بداية الأسبوع، واجهت الحكومة الوليدة اختبارًا صعبًا في البرلمان، حيث يواجه ليكورنو خطر سحب الثقة مجددًا إن لم ينجح في إقناع النواب بتمرير خطة التقشف التي تهدف إلى خفض العجز البالغ 5.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

الأسواق المالية استجابت بسرعة. انخفض مؤشر الأسهم الفرنسي بنسبة ثلاثة في المئة عقب استقالة الحكومة، وارتفعت تكاليف الاقتراض لأجل عشر سنوات إلى أعلى مستوياتها منذ بداية العام، في حين تراجع اليورو أمام الدولار.

هذه التطورات زادت من الضغط على ماكرون وليكورنو لطمأنة المستثمرين الأوروبيين بأن فرنسا ما زالت قادرة على إدارة ديونها وتجنب أزمة مالية جديدة. ويخشى المراقبون أن يؤدي استمرار الاضطراب إلى تآكل ثقة الداخل والخارج في قدرة النظام السياسي الفرنسي على الاستقرار.

إلى جانب ذلك، تفجرت أزمة داخلية بين ليكورنو وحلفائه في حزب الجمهوريين. فقد شعر زعيم الحزب برونو ريتيلو بالإهانة بعد تجاهله خلال مشاورات تشكيل الحكومة، على الرغم من أنه كان حليفًا أساسيًا لماكرون في الائتلاف الحاكم. ويُعتقد أن هذا الخلاف قد يؤدي إلى تفكك التحالف البرلماني الهش الذي اعتمد عليه الرئيس منذ انتخابات العام الماضي.

يرى محللون أن ماكرون يواجه الآن مفترق طرق حقيقيًا. فإذا فشل ليكورنو في استعادة ثقة البرلمان، فقد يضطر الرئيس إلى حل المجلس والدعوة إلى انتخابات جديدة، وهو خيار محفوف بالمخاطر قد يمنح اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان فرصة غير مسبوقة للوصول إلى الحكم.

بعد ثماني سنوات في الإليزيه، تبدو عزلة ماكرون السياسية أعمق من أي وقت مضى. لقد فقد دعم جزء من معسكره الوسطي، واستنزف تحالفاته مع المحافظين، بينما يزداد غضب الشارع وتشكك الأسواق. الأسئلة الثلاثة التي طرحها في قاعة الإليزيه لم تُنتج أجوبة، لكنها كشفت عن حقيقة واحدة: فرنسا تعيش أزمة حكم لم يعرفها الجيل السياسي الحديث منذ عقود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى