Site icon أوروبا بالعربي

الاتحاد الأوروبي تحت ضغط سياسي متصاعد بسبب قواعد الإنترنت في مواجهة التصعيد الأمريكي

قواعد الانترنت الأوروبية

يواجه الاتحاد الأوروبي ضغوطاً سياسية غير مسبوقة على خلفية قواعده الصارمة لتنظيم الإنترنت وشركات التكنولوجيا، بعد أن تحولت الانتقادات الأمريكية لهذه التشريعات من مناوشات تجارية إلى نزاع سياسي عابر للأطلسي، ينذر بتصعيد طويل الأمد خلال عام 2026.

وشهدت الأزمة تصعيداً لافتاً الأسبوع الماضي، عندما فرضت الولايات المتحدة عقوبات شملت حظر السفر على مسؤول أوروبي سابق رفيع المستوى، متهمةً إياه بالوقوف خلف ما وصفته بـ”نظام الرقابة الأوروبي” على المحتوى الرقمي.

واعتُبرت هذه الخطوة رسالة سياسية مباشرة من إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى بروكسل، تعكس انتقال الخلاف إلى مستوى المواجهة المفتوحة.

ووضعت الخطوة الأمريكية مؤسسات الاتحاد الأوروبي في موقف حساس، وسط انقسام داخلي بين من يدعو إلى رد سياسي صارم، ومن يفضّل احتواء الأزمة لتجنّب انفجارها في سياق العلاقات التجارية والأمنية مع واشنطن.

وأدان قادة أوروبيون، بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونواب في البرلمان الأوروبي، العقوبات الأمريكية واعتبروها شكلاً من أشكال الترهيب السياسي، مطالبين برد أوروبي واضح وتقليص الاعتماد على التكنولوجيا الأمريكية.

وقال براندو بينيفي، النائب الإيطالي في البرلمان الأوروبي والمسؤول عن العلاقات مع الولايات المتحدة، إن “الرد الحقيقي يجب أن يكون سياسياً”، محذراً من أن التهاون الأوروبي سيشجع واشنطن على المضي قدماً في الضغط على التشريعات الرقمية الأوروبية.

ورغم إدانة المفوضية الأوروبية للخطوة الأمريكية، جاء رد رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين محدوداً، إذ اكتفت بالتأكيد على أهمية حرية التعبير، من دون الإعلان عن إجراءات مضادة ملموسة، ما أثار انتقادات داخل البرلمان الأوروبي.

وتعود جذور الأزمة إلى تطبيق الاتحاد الأوروبي لقانون الخدمات الرقمية، الذي يفرض التزامات صارمة على منصات التكنولوجيا الكبرى، لا سيما في ما يتعلق بمكافحة خطاب الكراهية والمحتوى غير القانوني.

وقد تصاعد التوتر بشكل خاص بعد فرض أول غرامة بموجب هذا القانون على منصة “إكس” المملوكة لإيلون ماسك، وهو ما اعتبرته واشنطن استهدافاً سياسياً لشركات التكنولوجيا الأمريكية.

وتشير مصادر أوروبية إلى أن الولايات المتحدة لم تعد تكتفي بالضغط الدبلوماسي، بل بدأت باستخدام أدوات عقابية مباشرة، مع تلويح سياسيين أمريكيين باللجوء إلى عقوبات أشد، من بينها عقوبات “ماغنيتسكي”، التي قد تشمل تجميد أصول ومنع التعامل المالي مع كيانات أوروبية.

في المقابل، تتعرض المفوضية لضغوط داخلية متزايدة لاتخاذ موقف أكثر حزماً. فقد دعا نواب من عدة كتل سياسية في البرلمان الأوروبي إلى إدراج قضية العقوبات الأمريكية على جدول أعمال جلسات يناير، مع طرح خيارات تتراوح بين إجراءات مضادة محدودة وزيادة الضغط في المفاوضات التجارية مع واشنطن.

ويرى عدد من المشرعين أن الأزمة تكشف مجدداً هشاشة الاعتماد الأوروبي على البنية التحتية الرقمية الأمريكية. ودعا هؤلاء إلى تسريع بناء “السيادة الرقمية الأوروبية”، من خلال تطوير أنظمة دفع مستقلة، وسحابة رقمية سيادية، وتعزيز الاستثمارات في البنية التحتية الرقمية وشبكات التواصل الاجتماعي الأوروبية.

وبينما لم تحسم بروكسل بعد طبيعة ردها، يبدو أن الصراع حول قواعد الإنترنت لم يعد تقنياً أو تنظيمياً فحسب، بل تحول إلى اختبار سياسي مباشر لقدرة الاتحاد الأوروبي على الدفاع عن تشريعاته واستقلاله الرقمي في مواجهة ضغوط القوة الأمريكية.

Exit mobile version