تتزايد المخاوف داخل أوساط الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي مع اقتراب تولي قبرص، الدولة المحايدة، رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي في يناير/كانون الثاني المقبل، في وقت يتصدر فيه ملف الدفاع والأمن جدول الأعمال الأوروبي، وسط الحرب الروسية على أوكرانيا ومساعي بروكسل لتعزيز قدراتها العسكرية.
ويركّز القلق الأساسي على العلاقة المتوترة تاريخياً بين قبرص وتركيا، والتي قد تلقي بظلالها على ملفات حساسة، أبرزها التعاون الدفاعي بين الاتحاد الأوروبي وأنقرة، والتكامل المؤسسي بين الاتحاد وحلف الناتو.
وتتهم دول حليفة نيقوسيا باستخدام موقعها السياسي لعرقلة أي تقارب عسكري أوروبي مع تركيا، بالتنسيق مع اليونان.
وقال مسؤول حكومي أوروبي رفيع المستوى لموقع بوليتيكو إن هناك خشية جدية من أن تسمح قبرص لعدائها السياسي مع أنقرة بالتأثير على أولويات الدفاع الأوروبية.
وأشار إلى ملفات حيوية مثل مشاركة تركيا في برامج الشراء العسكري المشترك، وعلى رأسها برنامج “العمل الأمني من أجل أوروبا” (SAFE) البالغة قيمته 150 مليار يورو، إضافة إلى تبادل المعلومات والتكامل العملياتي بين الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.
وتزداد حساسية هذه المخاوف بالنظر إلى الوضع السياسي المعقّد لقبرص، وهي جزيرة يبلغ عدد سكانها نحو 1.3 مليون نسمة، ومقسّمة منذ عقود بين جمهورية قبرص المعترف بها دولياً، وكيان قبرصي تركي في الشمال تدعمه القوات التركية ولا تعترف به أي دولة باستثناء أنقرة.
ورغم هذه الخلفية، تؤكد السلطات القبرصية أنها لن تستخدم رئاستها لتعطيل الملفات الدفاعية.
وقال الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس في تصريحات لـبوليتيكو إن بلاده تسعى إلى “تحسين العلاقات” عبر مقاربة تدريجية، تبدأ بإقناع تركيا بالموافقة على انضمام قبرص إلى برنامج “الشراكة من أجل السلام”، باعتباره خطوة أولى نحو الانخراط في المنظومة الأطلسية، ما قد يخفف من حدة التوتر ويزيل العقبات أمام التعاون الأوروبي–التركي.
وستتولى قبرص خلال فترة رئاستها إدارة ملفات دفاعية ثقيلة، تشمل المصادقة على الخطط الوطنية لتنفيذ برنامج “SAFE”، إضافة إلى قيادة المفاوضات مع البرلمان الأوروبي حول مقترحات المفوضية لتقليص البيروقراطية أمام شركات الصناعات الدفاعية.
من جانبه، قال مفوض الدفاع الأوروبي أندريوس كوبليوس إن تعزيز القدرات الدفاعية للاتحاد يجب أن يستمر “بغض النظر عن الدولة التي تتولى الرئاسة”، في إشارة إلى محاولة طمأنة الشركاء القلقين.
غير أن دبلوماسيين في حلف الناتو عبّروا عن مخاوفهم من أن يؤدي استبعاد تركيا، التي تمتلك ثاني أكبر جيش في الحلف وصناعة دفاعية متقدمة، إلى إضعاف الجبهة الأوروبية في مواجهة روسيا. وقال أحدهم إن “إظهار الوحدة أمر أساسي”، محذراً من أن تهميش أنقرة قد يقوض جهود الردع الجماعي.
وتعرقل قبرص واليونان حالياً انضمام تركيا إلى وكالة الدفاع الأوروبية، فيما ترد أنقرة بمنع الناتو من تبادل معلومات سرية مع الوكالة، ما يفاقم حالة الجمود المؤسسي بين الطرفين.
وترفض نيقوسيا، رغم كون تركيا دولة مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، السماح لها بالاستفادة من أموال الدفاع الأوروبية دون تحقيق تقدم سياسي في ملف قبرص.
ويرى مسؤولون أتراك أن رئاسة قبرص قد تعني عملياً تجميداً إضافياً للعلاقة الدفاعية بين الاتحاد الأوروبي وتركيا. وقال السفير التركي السابق لدى الاتحاد الأوروبي سليم ينيل لـبوليتيكو إن “اندماج الاتحاد الأوروبي مع الناتو، وخاصة مع تركيا، سيتوقف عملياً طوال فترة الرئاسة القبرصية”.

