رئيسيمنوعات

الاتحاد الأوروبي يتحرك لحماية الأطفال من مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي

في خطوة جديدة قد تضع أوروبا في طليعة الجهود العالمية لتنظيم استخدام الأطفال لوسائل التواصل الاجتماعي، تتجه دول الاتحاد الأوروبي نحو تبني قواعد موحدة على مستوى القارة تفرض قيوداً صارمة على دخول القُصّر إلى المنصات الرقمية.

وتقود اليونان هذه المبادرة بدعم متصاعد من فرنسا وإسبانيا، حيث يسعى المقترح إلى تحديد “سن البلوغ الرقمي” في الاتحاد الأوروبي، وهو الحد العمري الذي يُمنع من دونه الأطفال من استخدام تطبيقات مثل تيك توك وإنستغرام وسناب شات دون موافقة الوالدين. يأتي هذا الحراك بعد أن أعلنت أستراليا عن قرارها برفع السن الأدنى لاستخدام بعض منصات التواصل إلى 16 عاماً اعتباراً من نهاية هذا العام، مما أشعل نقاشاً عالمياً بشأن تأثير الإنترنت على النشء.

ومن المنتظر أن يناقش وزراء الشؤون الرقمية في الاتحاد المقترح خلال اجتماع أوائل يونيو، بالتزامن مع استعداد الدنمارك لتولي الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي، حيث أكدت كوبنهاغن أن حماية الأطفال على الإنترنت ستكون من أولوياتها خلال فترة رئاستها.

وفي تصريحات سابقة، أعربت رئيسة الوزراء الدنماركية، ميته فريدريكسن، عن دعمها لحظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لمن هم دون الخامسة عشرة، في حين شددت وزيرة الشؤون الرقمية كارولين ستيج أولسن على ضرورة اتخاذ خطوات حاسمة بهذا الاتجاه.

دعوة أوروبية لعمل جماعي

الوثيقة التي حصلت عليها “بوليتيكو” تشير إلى تنامي شعور بعدم الرضا في العواصم الأوروبية عن بطء التحرك التنظيمي من بروكسل، وسط مخاوف متزايدة من تأثير الخوارزميات المصممة لجذب المستخدمين وإبقائهم متصلين لساعات طويلة. وبحسب المقترح، فإن حماية القُصّر تتطلب تحركاً جماعياً وموحداً على مستوى الاتحاد.

ويتضمن المقترح تدابير تتجاوز ما هو منصوص عليه في قوانين الاتحاد الحالية، مثل قانون الخدمات الرقمية، إذ يدعو إلى اعتماد أنظمة إلزامية للتحقق من العمر، وتفعيل الرقابة الأبوية على الأجهزة، بالإضافة إلى فرض “معايير أوروبية” جديدة تقلّص من تصميم الميزات التي تُعزز الإدمان مثل التشغيل التلقائي والتخصيص القسري والإشعارات المتكررة.

صدام محتمل مع عمالقة التكنولوجيا

واحدة من أكثر النقاط إثارة للجدل في المقترح هي دعوته إلى تطبيق التحقق من السن على مستوى الأجهزة، وهو توجه يُرجّح أن تصطدم به شركات كبرى مثل آبل وغوغل. وبينما تضغط منصات مثل “ميتا” لحصر المسؤولية في متاجر التطبيقات أو مزوّدي الخدمات، تُفضل شركات أنظمة التشغيل أن تكون الحلول مدمجة داخل الأجهزة ذاتها، ما ينذر بخلاف تقني وتشريعي قد يستمر لسنوات.

وبالرغم من هذه التعقيدات، تُواصل فرنسا دفع أجندة صارمة، إذ سبق لها أن أقرت قانوناً في 2023 يمنع وصول الأطفال دون 15 عاماً إلى وسائل التواصل، وإن لم يتم تطبيقه بالكامل بعد. وتواصل وزيرة الدولة الفرنسية للشؤون الرقمية، كلارا شاباز، حملتها لإقناع باقي دول الاتحاد بالانخراط في التحرك الجماعي، ووقعت على المقترح إلى جانب وزير الرقمية اليوناني ديميتريس باباستيرجيو ونظيره الإسباني أوسكار لوبيز أغويدا.

بين الحظر والتصميم المسؤول

رغم دعم الفكرة العامة، يتباين الموقف داخل أوروبا بشأن سبل التنفيذ. ففي حين تدفع بعض الدول نحو الحظر الشامل، ترى دول أخرى كاليونان أن التركيز يجب أن ينصب على التصميم المسؤول للمنصات الرقمية، مع مراعاة خصوصية الأطفال والابتعاد عن الميزات الإدمانية.

وقد تم اختيار فرنسا واليونان وإسبانيا لاختبار تطبيق جديد للتحقق من العمر طوّرته المفوضية الأوروبية، في خطوة أولى قد تمهّد الطريق لاعتماد آليات موحدة على مستوى القارة.

وسط هذا الزخم، يبقى السؤال الأهم: هل يستطيع الاتحاد الأوروبي فرض قواعده على شركات التكنولوجيا العملاقة؟ أم أن البيروقراطية والتضارب في المصالح التقنية والاقتصادية ستُفرغ هذه الجهود من مضمونها؟ ما هو مؤكد حتى الآن هو أن معركة “الرشد الرقمي” قد بدأت فعلاً في بروكسل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى