حكومة ميرز الألمانية تعلن حملة صارمة على الهجرة.. وواقع الحدود يفضحها

بعد ساعات قليلة من أدائه اليمين الدستورية كجزء من الحكومة الألمانية الجديدة التي يقودها المحافظون، أعلن وزير الداخلية ألكسندر دوبريندت عن حملة كبرى تهدف إلى تشديد السيطرة على الهجرة، وإرسال “إشارة واضحة إلى العالم” بأن ألمانيا ستقيد تدفق طالبي اللجوء بشكل جذري. لكنّ الخبراء الأوروبيين ومسؤولون كبار، لديهم اطلاع مباشر على الأوضاع عند الحدود، يرون أن هذه الإجراءات لم تتجاوز كونها “مسرحية سياسية” أكثر منها تغييرات فعلية على أرض الواقع.
وعود صارمة تحت ضغط اليمين المتطرف
تأتي حملة دوبريندت في إطار التزام الحكومة الجديدة، بقيادة المستشار فريدريش ميرز، بتلبية مطالب حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، الذي صعد بشكل ملحوظ في استطلاعات الرأي قبل الانتخابات المبكرة التي جرت في فبراير 2025. فقد تعهد ميرز خلال حملته الانتخابية بضبط الهجرة ووقف تدفق طالبي اللجوء، وسط مخاوف من تأثيرات الهجرة على الأمن والاقتصاد الألمانيين.
وفي محاولة لتأكيد التزامه، أعلن دوبريندت زيادة عدد ضباط الشرطة على الحدود وإجراء عمليات تفتيش أكثر صرامة لمنع دخول المهاجرين، بمن فيهم طالبي اللجوء. لكن المسؤولين الأوروبيين يؤكدون أن تلك الزيادة في عمليات التفتيش ذات طابع رمزي ولا تمثل تحولاً جوهريًا في السياسة.
إجراءات رمزية وحدود مفتوحة
في أول ظهور له بعد إعلان الحملة، زار دوبريندت الحدود الألمانية النمساوية ليشكر الشرطة على جهودهم، وأوضح أن السلطات منعت 739 شخصًا من الدخول خلال الأسبوع الأول بعد زيادة التفتيش، بزيادة نسبتها 45% عن الأسبوع السابق، بينهم 32 طالب لجوء. ولكن بالنظر إلى أن ألمانيا استقبلت نحو 230 ألف طلب لجوء عام 2024، لا يمكن اعتبار هذا الرقم مؤثرًا بشكل جوهري.
ويقول مسؤول رفيع من دولة مجاورة، طلب عدم الكشف عن هويته، إن مراقبة الحدود أظهرت “عدم وجود تغييرات جذرية”، معتبرًا أن الحملة تستهدف كسب دعم وسائل الإعلام اليمينية في ألمانيا أكثر من تحقيق نتائج ملموسة على الأرض.
تعقيدات قانونية واحتجاجات داخلية وخارجية
أحد التحديات الكبرى التي تواجه سياسة ميرز الجديدة هو تعارضها مع قوانين الاتحاد الأوروبي التي تحظر إعادة طالبي اللجوء بشكل تعسفي إلى الحدود دون النظر في طلباتهم. ويشير خبراء قانونيون إلى أن الحكومة الألمانية تخاطر بانتهاك القانون الأوروبي، وهو ما أثار غضب الدول المجاورة، لا سيما بولندا.
وفي حادثة حديثة على الحدود الألمانية البولندية، حاولت الشرطة إعادة طالبي لجوء أفغان من ألمانيا إلى بولندا، لكن السلطات البولندية رفضت استقبالهم، مما أدى إلى نقلهم إلى مركز استقبال داخل ألمانيا. هذه الواقعة تبرز التعقيدات العملية واللوجستية للحملة.
وأكد رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك أنه قد يغلق الحدود إذا استمرت ألمانيا في محاولات إعادة طالبي اللجوء، ما يهدد بإحداث توتر دبلوماسي بين أكبر اقتصاد في أوروبا وأحد شركائها الإقليميين الأساسيين.
انتقادات داخلية ودعوات للحلول الأوروبية
حتى داخل الحزب المحافظ ذاته، لم تسلم سياسة الحدود من الانتقاد. فقد انتقدت المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، زعيمة الاتحاد الديمقراطي المسيحي، بشدة الإجراءات الفردية، مؤكدة أن الحل الحقيقي لمشكلة الهجرة لا يكون على مستوى الدول منفردة، بل من خلال نهج أوروبي مشترك.
وقالت ميركل في تصريحات مؤخراً: “أنا أدافع عن الحلول الأوروبية لأن غير ذلك قد يؤدي إلى تفكك أوروبا، وأنا لا أريد ذلك”.
مخاوف من تعزيز اليمين المتطرف
يرى خبراء الهجرة أن سياسة ميرز قد تكون ذات تأثير معاكس، حيث إن “الأوهام” حول القدرة على الحد الفعلي من الهجرة ستعطي زخماً إضافياً لحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف.
قال جيرالد كناوس، الخبير البارز في الهجرة: “المسألة تحتاج إلى نجاح الحكومة الجديدة، لأننا بحاجة إلى ألمانيا لا يسمح فيها لليمين المتطرف بالفوز. الهجرة قضية مهمة للشعب، لكن الانخداع بسياسات غير واقعية لن يفيد، بل سيمنح اليمين المتطرف فرصة للنمو”.
خلاصة
رغم الضجة الإعلامية والتصريحات القوية من دوبريندت وميرز، يبدو أن حملة تشديد مراقبة الحدود الألمانية تفتقر إلى الفاعلية الحقيقية، وتحولت إلى أداة سياسية أكثر منها حلًا عمليًا لمشكلة الهجرة. وتبقى حدود ألمانيا مفتوحة أمام طالبي اللجوء، في ظل تعقيدات قانونية داخلية وأوروبية، ومخاوف من توتر العلاقات مع الدول المجاورة، خصوصًا بولندا.
وفي نهاية المطاف، يواجه التحالف الحاكم اختبارًا صعبًا بين طموحاته السياسية والواقع العملي والقانوني، وسط مخاطر متزايدة من تصاعد اليمين المتطرف واستمرار أزمة الهجرة في أوروبا.