رئيسيشؤون دولية

الاتحاد الأوروبي يختار المصالح الاقتصادية على حقوق الإنسان في ظل الاتفاقية التجارية مع الإمارات

في ظل التقدم السريع نحو إبرام اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة (CEPA) بين الاتحاد الأوروبي ودولة الإمارات العربية المتحدة، تبرز تساؤلات حاسمة حول التوازن بين المصالح الاقتصادية والالتزام بمبادئ حقوق الإنسان. فقد اجتمعت قيادات من الجانبين في دبي لمناقشة تفاصيل هذه الاتفاقية التي تعد تعزيزًا للعلاقات التجارية بينهما، في وقت تواجه الإمارات انتقادات دولية مستمرة بسبب سجلها في قمع الحريات وانتهاكات حقوق الإنسان الممنهجة.

الاتحاد الأوروبي، الذي يصف نفسه كحارس للقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، يبدو في هذه المفاوضات وكأنه يقدم مصلحة التجارة والاستثمار على حساب هذه المبادئ. إذ تشير تصريحات المسؤولين الأوروبيين، من المفوض التجاري ماروس سيفكوفيتش إلى رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، إلى رغبة قوية في الإسراع بإتمام الاتفاقية لتعزيز التعاون الاقتصادي، دون أن تتضح مواقف حاسمة تجاه القضايا الحقوقية التي تثيرها تقارير المنظمات الدولية والحقوقية بشأن الإمارات.

المصالح الاقتصادية تتقدم على القيم

تمثل الإمارات شريكًا تجاريًا رئيسيًا للاتحاد الأوروبي، حيث بلغ حجم التجارة غير النفطية بينهما 67.6 مليار دولار في العام الماضي، ما يشكل حوالي 8.3% من إجمالي تجارة الإمارات مع العالم. هذه الأرقام توضح مدى اعتماد الطرفين على علاقات اقتصادية مزدهرة، وخصوصًا في ظل التحديات الاقتصادية العالمية وحاجة الاتحاد الأوروبي إلى تنويع مصادر الطاقة والتقنيات الحديثة.

في هذا السياق، تركز المفاوضات على إزالة الحواجز التجارية، وتسهيل وصول السلع والخدمات إلى الأسواق، وتحفيز الاستثمار في قطاعات استراتيجية مثل الطاقة المتجددة والتقنيات الرقمية، وهي مجالات تحظى بأولوية في الخطط الاقتصادية لكلا الطرفين. وأكد الوزير الإماراتي ثاني الزيودي أن الاتفاقية ستعزز الابتكار وتخلق فرص عمل، بينما شددت فون دير لاين على أن التعاون سيعود بالنفع على شعوب البلدين.

غير أن هذا التعاون الاقتصادي الحميم يأتي في ظل سجل مزعج للإمارات في مجال حقوق الإنسان، حيث وثقت منظمات حقوقية دولية انتهاكات ممنهجة تشمل اعتقالات تعسفية، تقييد حرية التعبير والصحافة، ملاحقة المعارضين السياسيين، واستخدام قوانين مكافحة الإرهاب لقمع النشطاء. ومع ذلك، يغلب الطابع الاقتصادي في مواقف الاتحاد الأوروبي الرسمية، ما يعكس رغبة واضحة في عدم تعكير صفو العلاقات مع الإمارات لأسباب تجارية واستراتيجية.

تناقض دبلوماسي وغياب المحاسبة

رسائل الاتحاد الأوروبي الرسمية، كما عبر عنها سيفكوفيتش وفون دير لاين، تؤكد على أهمية الدبلوماسية والحوار كأساس للتعامل مع الشركاء الاقتصاديين. هذا النهج قد يبدو إيجابيًا في تعزيز العلاقات، لكنه يتناقض مع التوقعات الدولية التي ترى أن الاتحاد يجب أن يكون صارمًا في مواجهة الانتهاكات، خاصة عندما يتعلق الأمر بشركاء مثل الإمارات التي تستخدم قوتها الاقتصادية لمناورات سياسية إقليمية، بما في ذلك دعم تحالفات مثيرة للجدل في الشرق الأوسط.

من الملفت أن الاتفاقية المحتملة مع الإمارات تُناقش في وقت تشهد فيه المنطقة توترات متزايدة، وحيث تفرض أبوظبي سياسات داخلية وخارجية تحرم مئات الآلاف من حقوقهم الأساسية. إلا أن الاتحاد الأوروبي، الذي يتغنى بحقوق الإنسان في مناسبات أخرى، يتجنب اتخاذ مواقف واضحة أو فرض شروط صارمة تتعلق باحترام هذه الحقوق كجزء من الاتفاقية.

اتفاقية بلا شروط واضحة لحقوق الإنسان؟

في ظل هذا الواقع، يبرز سؤال جوهري: هل يمكن لاتفاقية تجارية شاملة أن تُبرم دون إدراج شروط واضحة وملزمة تتعلق بحقوق الإنسان؟ تجارب سابقة أظهرت أن إدراج بنود حقوق الإنسان في الاتفاقيات التجارية يشكل أداة ضغط فعالة لتحسين الممارسات، إلا أن التوجه الحالي يعكس تنازلات واضحة لصالح المنافع الاقتصادية.

الاتحاد الأوروبي يواجه مأزقًا حقيقيًا؛ فمن ناحية يسعى لتعزيز اقتصاده وشراكاته التجارية في منطقة الخليج، ومن ناحية أخرى عليه احترام مبادئه الأساسية التي يشدد عليها في سياسته الخارجية. تخطي هذا التوازن يعرض الاتحاد لانتقادات تتهمه بالمهادنة مع أنظمة قمعية، مما يضعف من مصداقيته في الدفاع عن حقوق الإنسان عالميًا.

دلالات أعمق لموقع الاتحاد الأوروبي

تعكس هذه المحادثات مدى تعقيد السياسة الدولية في ظل تداخل المصالح الاقتصادية مع القيم الإنسانية. الاتحاد الأوروبي لا يخفى عليه أهمية الإمارات كحليف إقليمي ومركز مالي وتقني في الخليج، وخاصة في ظل سعيه لتأمين مصادر الطاقة المتجددة وتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية.

لكن في الوقت ذاته، غياب وضوح المواقف الأوروبية تجاه الانتهاكات في الإمارات قد يشجع تلك الأنظمة على الاستمرار في سياساتها القمعية، معتقدة أن القوة الاقتصادية تغطي على انتهاكاتها. كما أن هذا الموقف قد يؤثر سلبًا على صورة الاتحاد الأوروبي كممثل للقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.

في نهاية المطاف، تكشف محادثات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الاتحاد الأوروبي والإمارات عن واقع معقد يتجاذب بين الاقتصاد والسياسة والقيم. رغم أهمية المصالح الاقتصادية المتبادلة، يبدو أن الاتحاد الأوروبي يفضل هذه المصالح على حساب مبادئ حماية حقوق الإنسان، في موقف يعكس تنازلات دبلوماسية جوهرية.

ولكي يحافظ الاتحاد الأوروبي على مكانته وقيمه، عليه أن يعيد النظر في سياساته تجاه شركائه الاقتصاديين، ويجعل احترام حقوق الإنسان شرطًا أساسيًا لأي تعاون تجاري. فبدون هذا الشرط، ستظل الاتفاقيات التجارية مجرد أدوات لتحقيق منافع اقتصادية على حساب المبادئ الإنسانية التي يفترض أن تكون حجر الزاوية في علاقاته الدولية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى