تباطؤ التضخم في مايو يمهد الطريق لخفض أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي الأوروبي

تشير أحدث بيانات التضخم في أكبر دول منطقة اليورو إلى تباطؤ ملحوظ في وتيرة ارتفاع الأسعار، مما يعزز التوقعات بقرار وشيك من البنك المركزي الأوروبي بخفض أسعار الفائدة خلال اجتماع مجلس المحافظين المقرر في الرابع والخامس من يونيو/حزيران المقبل.
وشهدت شهور مايو/أيار تراجعًا في معدلات التضخم في دول رئيسية مثل إيطاليا، إسبانيا، ألمانيا، وفرنسا، إذ أعلنت هذه الدول عن أرقام تضخم إما عند مستوى الهدف الرسمي للبنك المركزي الأوروبي البالغ 2% أو أقل منه. وأبرزت فرنسا هذا الاتجاه بانخفاض معدل التضخم إلى 0.6%، وهو الأدنى في خمس سنوات، ما يعكس تحسّنًا واضحًا في السيطرة على الضغوط السعرية داخل الاقتصاد.
تمثل هذه الدول الأربعة معًا حوالي ثلاثة أرباع الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو، ما يجعل تأثير تباطؤ التضخم فيها مؤشرًا قويًا على الاتجاه العام للاقتصاد الأوروبي. وأكد البنك المركزي الأوروبي أن هذه الأرقام تأتي في سياق تباطؤ عام في الأسعار، مدفوعًا بالآثار الاقتصادية الناجمة عن الحرب التجارية التي يشهدها العالم، وتحديدًا السياسات الحمائية التي تبناها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
تراجع أسعار الطاقة والعوامل المؤثرة
كان لتراجع أسعار الطاقة العالمية دور محوري في هذا الانخفاض الملحوظ في التضخم. فقد انخفضت أسعار النفط والغاز بشكل ملموس بسبب توقعات ضعف الطلب من الاقتصاد الصيني، بالإضافة إلى زيادة الإنتاج من كبار المصدرين مثل المملكة العربية السعودية، ما دفع المؤشرات العالمية لأسعار الطاقة إلى أدنى مستوياتها منذ فبراير 2021.
وفي هذا السياق، تشير تقارير صحفية إلى أن منظمة أوبك+ قد تعلن في الأيام المقبلة عن خطط لزيادة الإنتاج خلال الصيف، وهو ما قد يؤدي إلى استمرار ضغوط انخفاض أسعار الطاقة على الأسواق الأوروبية.
في ألمانيا، أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، شهدت الولايات الكبرى تراجعًا في معدلات التضخم إلى ما بين 2.0 و2.3%، مع توقع مكتب الإحصاء الاتحادي (ديستاتيس) نشر تقدير أولي رسمي لاحقًا اليوم. وعلى الرغم من الانخفاض الحاد في أسعار الوقود والطاقة المنزلية، سجلت أسعار التأمين ارتفاعًا كبيرًا في بعض الولايات، ما يشير إلى أن هناك بعض الضغوط التضخمية التي ما تزال قائمة.
في إيطاليا وإسبانيا، استقر معدل التضخم عند 1.9%، مما يعكس تحسنًا ملحوظًا مقارنة بالأشهر السابقة.
توقعات خفض أسعار الفائدة
تأتي هذه الأرقام في وقت يعقد فيه مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي اجتماعه المقبل في الرابع والخامس من يونيو/حزيران، وسط توقعات واسعة بخفض سعر الفائدة بمقدار 0.25 نقطة مئوية إلى 2%. ومن شأن هذا القرار أن يعكس توجه البنك إلى سياسة أكثر دعمًا للاقتصاد وسط مؤشرات على تباطؤ التضخم واحتمالية تباطؤ النمو.
يسعى البنك المركزي الأوروبي من خلال هذه السياسة إلى تحقيق التوازن بين الحفاظ على استقرار الأسعار وتحفيز النمو الاقتصادي في ظل بيئة مالية معقدة، تتأثر بالعوامل الجيوسياسية العالمية وتداعيات النزاعات التجارية.
ردود فعل الأسواق والمراقبين
رحبت الأسواق المالية الأوروبية بهذه المؤشرات التي تعزز فرص خفض تكاليف الاقتراض، ما قد يحفز الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري. كما أشار محللون إلى أن خفض أسعار الفائدة قد يكون ضروريًا لمنع ركود محتمل في منطقة اليورو، خاصة في ظل المخاطر الاقتصادية الخارجية التي تهدد النمو.
ومع ذلك، يظل البنك المركزي الأوروبي حذرًا في سياساته، إذ أنه يتابع عن كثب تطورات التضخم والتحديات البنيوية في الاقتصاد الأوروبي، مثل ارتفاع تكاليف الطاقة على المدى المتوسط وتأثيرها على القطاعات الاقتصادية الحساسة.
وتشير بيانات التضخم المتباطئة في مايو إلى تحسن ملحوظ في الضغوط السعرية بمنطقة اليورو، مدعومة بتراجع أسعار الطاقة العالمية وتباطؤ الطلب الاقتصادي. هذه المعطيات تمهد الطريق أمام البنك المركزي الأوروبي لاتخاذ قرار تخفيض أسعار الفائدة في اجتماعه القادم، في محاولة لدعم الاقتصاد وتحقيق استقرار الأسعار على المدى المتوسط.
يأتي هذا القرار في ظل بيئة اقتصادية دولية معقدة، حيث تحاول أوروبا التنقل بين تقلبات الأسواق العالمية ومخاطر الحروب التجارية، ما يجعل من سياسة البنك المركزي الأوروبي أداة محورية للحفاظ على استقرار الاقتصاد الأوروبي.



