أخبار متفرقةرئيسي

المهاجرون إلى أيرلندا الشمالية يواجهون موجة جديدة من الإرهاب العنصري

في بلدة بليمينا الهادئة نسبيًا شمال أيرلندا، تحولت الليالي الأخيرة إلى كابوس للمهاجرين الذين باتوا يعيشون تحت تهديد الهجمات العنصرية المتصاعدة، بعد أن أثارت جريمة مزعومة موجة من العنف والتخويف شملت حرق المنازل وترويع السكان الأجانب، ودفع الشرطة إلى طلب تعزيزات عاجلة لحماية من تبقى من هذه العائلات المستهدفة.

تقول إيلينا، وهي عاملة اجتماعية رومانية تبلغ من العمر 32 عامًا، إنها لم تعد تغادر منزلها بعد حلول الظلام. “لا أعرف كم من الوقت سأظل قادرة على البقاء هنا. هذا ما يريدونه: أن ندفع للرحيل”، تقول وهي تجلس داخل شقتها المغلقة في شارع كلونافون، حيث النوافذ المكسورة وآثار الحرق ترسم المشهد الخارجي لمنازل الجيران من رومانيا والفلبين وبلغاريا الذين فرّوا بالفعل.

هروب جماعي وقلق مستمر

بحسب وكالة الإسكان العام في أيرلندا الشمالية، فقد فرّت 14 عائلة مهاجرة على الأقل من منازلها في بليمينا خلال هذا الأسبوع، بعدما تعرضت للهجمات والتهديدات. وقد جرى نقل العائلات إلى مساكن طارئة في مناطق مختلفة، فيما أصيب أكثر من 60 من عناصر الشرطة خلال اشتباكات مع العصابات التي يقودها شبان ملثمون.

وتشير السلطات إلى أن هذه الهجمات تحمل سمات واضحة للعنف العنصري المنظم، وهو نمط مقلق يتكرر منذ أعوام في أحياء الطبقة العاملة ذات الأغلبية البروتستانتية المؤيدة للاتحاد مع بريطانيا، والتي طالما احتضنت جماعات شبه عسكرية متطرفة.

جذور العنف وخلفياته السياسية

يعود تصاعد الكراهية إلى بيئة اجتماعية مشحونة وموروث عنيف من “الاضطرابات” التي شهدتها أيرلندا الشمالية حتى اتفاق الجمعة العظيمة في 1998.

فبعد عقود من الصراع الطائفي، بقيت العديد من الجماعات المسلحة مثل “جمعية دفاع أولستر” و”قوة متطوعي أولستر” ناشطة في شكل غير رسمي، تحتفظ بنفوذ في بعض المناطق، وتوجه عداءها اليوم نحو الوافدين الجدد من أوروبا الشرقية وآسيا وأفريقيا.

في السياق نفسه، يرى مراقبون أن انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) أعاد إحياء بعض السرديات القومية المتطرفة، التي تربط بين “الهوية المحلية” ورفض الأجانب، وهو ما تكرر خلال اضطرابات الصيف الماضي التي استهدفت أيضًا مهاجرين.

جريمة مزعومة تشعل الشرارة

بدأت أحدث موجة من العنف بعد أن مثل صبيان رومانيان، يبلغان من العمر 14 عامًا، أمام محكمة محلية بتهمة محاولة اغتصاب فتاة. ورغم نفي المتهمين للتهم بمساعدة مترجم، تحوّلت الحادثة إلى ذريعة للعنف، إذ نظم مئات الأشخاص مسيرة “احتجاجية” سرعان ما تحولت إلى اعتداءات على منازل المهاجرين.

ارتدى المعتدون أقنعة لإخفاء وجوههم عن كاميرات الشرطة، وبدأوا في مهاجمة الممتلكات التي يعتقد أنها مأهولة بمهاجرين. وتكررت الاعتداءات لعدة ليال، لتشمل بلدات أخرى ومناطق في العاصمة بلفاست، في دلالة على تصاعد الخطر وانتشاره.

ردود متباينة وتقاعس سياسي؟

دعت الوزيرة الأولى ميشيل أونيل، من حزب شين فين، إلى التوحد في مواجهة هذه الاعتداءات، مطالبة باستقالة وزير المجتمعات من الحزب الديمقراطي الاتحادي غوردون ليونز، على خلفية منشورات وُصفت بأنها تحريضية. وكان ليونز قد أشار إلى مكان سري لإيواء المهاجرين، مما أدى إلى هجوم حشد ملثم على ذلك المركز الرياضي.

في المقابل، يتهم ناشطون بعض المسؤولين المحليين بالتقاعس أو حتى التواطؤ عبر الصمت، خاصة في بلدات معروفة بولائها للحزب الديمقراطي الاتحادي، حيث تنتشر منشورات على مجموعات فيسبوك تدعو السكان لوضع علامات على منازلهم تشير إلى أنها مأهولة بـ”السكان الأصليين”، لتجنّب الاستهداف.

تدخل أمني بطيء ومحدود

قال قائد شرطة أيرلندا الشمالية، جون بوتشر، إن قواته استنفدت طاقتها بعد ليالٍ من الاضطرابات، وإنه طلب تعزيزات من بقية أقاليم المملكة المتحدة.

وقد وصل بالفعل نحو 80 عنصرًا من شرطة اسكتلندا، على أن يتم نشرهم خلال عطلة نهاية الأسبوع، تحسبًا لتجدد أعمال العنف.

لكن الكثيرين، مثل إيلينا، لا يثقون بأن التدخل الأمني كافٍ. “أنا فقط أريد أن أعيش في أمان. أنا أعمل كمقدّمة رعاية للمسنين، وربما أعتني بأحد أقارب هؤلاء المعتدين”، تقول بحزن. “ما كان عليّ أن أرفع علماً بريطانياً على بابي كي أكون بأمان”.

عنصرية متجذرة تتطلب حلاً سياسياً واجتماعياً

تشير هذه الأحداث إلى أزمة عميقة تتجاوز مجرد حادثة جنائية فردية. فصعود الخطاب العنصري، وتفشي الكراهية، وتراجع هيبة القانون في بعض المجتمعات، تكشف هشاشة العقد الاجتماعي في أجزاء من أيرلندا الشمالية.

ويحذر خبراء من أن استمرار الصمت الرسمي والتردد في المعالجة الجذرية، سواء عبر القوانين أو عبر برامج اندماج فعالة، قد يقود إلى انفجار أوسع يهدد ليس فقط المهاجرين، بل أسس السلم الأهلي نفسه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى