تكنولوجيارئيسي

ميتّا ترفض التوقيع على مدونة قواعد السلوك الأوروبية للذكاء الاصطناعي

فجرت شركة ميتّا، العملاقة في مجال التكنولوجيا، أزمة جديدة في جهود الاتحاد الأوروبي لتنظيم الذكاء الاصطناعي، بعدما أعلنت الجمعة رسمياً رفضها التوقيع على مدونة قواعد السلوك الخاصة بالممارسة المسؤولة للذكاء الاصطناعي التي أطلقتها المفوضية الأوروبية مؤخرًا.

تأتي هذه الخطوة في وقت تحاول فيه بروكسل فرض معايير صارمة على شركات الذكاء الاصطناعي، لضبط استخدام هذه التقنيات المتقدمة وتقليل المخاطر المحتملة على المجتمعات والأفراد. مدونة قواعد السلوك هي محاولة من المفوضية لتشجيع شركات الذكاء الاصطناعي على الالتزام بالقواعد دون الحاجة إلى اللجوء إلى تحقيقات وغرامات قانونية، وهو ما يجعلها أداة تطوعية لكنها ذات وزن قانوني كبير.

اعتراضات ميتّا: شكوك قانونية وتجاوز للحدود

قال جويل كابلان، كبير مسؤولي الشؤون العالمية في ميتّا، في تصريح للصحافة إن القانون الجديد يطرح “عددًا من الشكوك القانونية لمطوري النماذج” ويحتوي على تدابير “تتجاوز نطاق قانون الذكاء الاصطناعي” نفسه. وأضاف أن هذا التجاوز قد يخنق تطوير ونشر النماذج المتقدمة في أوروبا، ويعيق الشركات الأوروبية الناشئة التي تسعى للبناء على هذه التقنيات.

كابلان أشار كذلك إلى رسالة وقعتها أكثر من 40 شركة أوروبية كبرى، بينها شركات صناعية عملاقة مثل بوش وساب، وجهت للمفوضية في يوليو الجاري تطالب فيها بإيقاف تنفيذ القانون، معتبرة أن الإجراءات المقترحة قد تقف عقبة أمام الابتكار.

ضغوط صناعة التكنولوجيا تتصاعد

مدونة قواعد الممارسة، التي صدرت الأسبوع الماضي بعد شهور من النقاش والضغط، تهدف إلى تقديم إطار إرشادي لشركات الذكاء الاصطناعي للامتثال لقانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي الملزم. ورغم ذلك، واجهت المدونة مقاومة شديدة من جانب عمالقة التكنولوجيا.

في فبراير/شباط الماضي، حذرت شركة جوجل من أن القانون قد يضر بالابتكار والنمو في أوروبا، ووصفت مدونة الممارسات بأنها “خطوة في الاتجاه الخاطئ”. أما ميتّا فتأتي اليوم لتكون أول شركة كبرى ترفض التوقيع علنًا، مما يسلط الضوء على الخلافات العميقة بين شركات التكنولوجيا والمشرعين الأوروبيين.

رد المفوضية: مدونة التطوع لكنها ذات تأثير قوي

من جهتها، دافعت المفوضية الأوروبية بقوة عن المبادرة، مؤكدة أن مدونة قواعد السلوك أداة تطوعية توفر “المزيد من اليقين القانوني وتقليل العبء الإداري” على الشركات التي تلتزم بها. وأوضح المتحدث باسم المفوضية، توماس ريجنير، في رده على إعلان ميتّا أن الشركات التي تختار عدم التوقيع قد تواجه “مزيدًا من التدقيق التنظيمي” من قبل مكتب الذكاء الاصطناعي الأوروبي.

ريجنير وصف المدونة بأنها “معيار قوي” يهدف إلى تحفيز التزام الشركات بتطوير الذكاء الاصطناعي بمسؤولية، مع ضمان حماية المستهلكين والمجتمعات من المخاطر.

توقيعات أخرى وموقف الشركات

في الوقت نفسه، أعلنت شركة الذكاء الاصطناعي الفرنسية “ميسترال” يوم الخميس توقيعها على مدونة الممارسة، وكذلك شركة OpenAI التي تقف خلف نموذج ChatGPT. هذا يعكس تباين المواقف بين شركات التكنولوجيا إزاء تنظيمات الاتحاد الأوروبي.

ومن الجدير بالذكر أن بعض نماذج الذكاء الاصطناعي مثل Grok التابعة لشركة X (سابقًا تويتر) تعرضت لانتقادات لاذعة بسبب نشر تعليقات مثيرة للجدل، مما يضيف وزناً لحجة المشرعين الأوروبيين بضرورة وضع قواعد صارمة.

السياق الأوسع

تأتي هذه التطورات في وقت يزداد فيه استخدام الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، مع مخاوف متزايدة من مخاطر الخصوصية، التحيزات الخوارزمية، والأمن السيبراني.

يسعى الاتحاد الأوروبي من خلال هذه المبادرة إلى أن يكون رائدًا عالميًا في تنظيم الذكاء الاصطناعي بطريقة تحمي حقوق الأفراد وتعزز الابتكار في آن واحد، وهو توازن لم تثبت التجربة حتى الآن سهولة تحقيقه.

ورفض ميتّا للتوقيع على مدونة قواعد السلوك الأوروبية يمثل تحديًا جديدًا لمخططات الاتحاد الأوروبي لتنظيم الذكاء الاصطناعي. وبينما تؤكد المفوضية على أهمية هذه القواعد التطوعية، تؤكد شركات التكنولوجيا العملاقة أن التنظيم المفرط قد يعيق الابتكار ويقوض تنافسية أوروبا في هذا المجال الحيوي.

سيكون المشهد في الأشهر القادمة حاسمًا لمعرفة مدى قدرة الاتحاد الأوروبي على فرض قواعده في وجه عمالقة التكنولوجيا العالمية، خصوصًا مع استمرار التطورات السريعة في تقنيات الذكاء الاصطناعي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى