لاجئ فلسطيني محتجز في فرنسا «بناءً على طلب إسرائيل» وسط اتهامات بتواطؤ قضائي

يقبع لاجئ فلسطيني مُنح الحماية القانونية في فرنسا داخل أحد السجون الفرنسية منذ أكثر من 18 شهراً، في قضية أثارت جدلاً واسعاً حول استقلال القضاء الفرنسي واحترام التزامات باريس الدولية تجاه اللاجئين، بعدما أكدت مجموعة حقوقية أن احتجازه جاء «بناءً على طلب إسرائيل».
وبحسب جماعة «أطلقوا سراح علي» (Libérez Ali)، فإن الرجل، الذي يُعرف باسم علي فقط، محتجز رهن المحاكمة منذ اعتقاله في مايو/أيار 2024، بعد أن أحالت السلطات الإسرائيلية اتهامات بحقه إلى الجانب الفرنسي.
وأكدت المجموعة الحقوقية أن علي لم يكن موضع أي ملاحقة قضائية داخل فرنسا قبل ذلك، ولم تصدر بحقه أي إدانات سابقة.
وكان علي، الذي طُرد من إسرائيل عام 2014 بعد سنوات من الاعتقال المتكرر دون توجيه تهم، عاش قرابة عقد من الزمن في فرنسا حيث مُنح صفة لاجئ وحماية رسمية، ما يعني، وفق القانون الدولي، اعتراف الدولة الفرنسية بتعرضه للاضطهاد في بلده الأصلي.
غير أن هذا الوضع القانوني أُلغي لاحقاً بدعوى أنه يشكل «تهديداً للأمن القومي»، رغم عدم صدور أي حكم قضائي بحقه حتى الآن.
وفي فجر 28 مايو/أيار 2024، داهمت الشرطة الفرنسية منزل عائلة علي، وكسرت باب الشقة وفتشت المكان، بما في ذلك غرف نوم الأطفال، وفق رواية المجموعة الحقوقية.
وقد أُلقي القبض عليه وعلى شريكته بعنف أمام أطفالهما، فيما احتُجزت الزوجة لساعات وتعرضت للتهديد بالسجن وسحب حضانة الأطفال، قبل الإفراج عنها دون توجيه أي تهمة.
وتقول مجموعة «أطلقوا سراح علي» إن اعتقاله تم بموجب تشريعات مكافحة الإرهاب، بعد أشهر من المراقبة، في خطوة وصفتها بأنها «سياسية بامتياز».
وأضافت أن إلغاء وضعه كلاجئ قبل محاكمته يمثل «انتهاكاً صارخاً لمبدأ قرينة البراءة وخيانة لالتزامات فرنسا بحماية اللاجئين».
وقال متحدث باسم المجموعة إن فرنسا «اعترفت سابقاً بأن إسرائيل تضطهد علي»، لكنّها عادت اليوم لتتحرك استناداً إلى اتهامات صادرة عن الدولة ذاتها التي منحته الحماية منها.
وأضاف أن ذلك يشكّل «سابقة خطيرة» ويطرح تساؤلات حول مدى خضوع القضاء الفرنسي لضغوط سياسية خارجية.
ولا تزال طبيعة الاتهامات الموجهة إلى علي غير معلنة. وامتنعت المجموعة عن كشفها، معتبرة أن نشرها يمنح «شرعية غير مستحقة» لإسرائيل، التي تواجه اتهامات دولية بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة، فضلاً عن دعاوى إبادة جماعية أمام محكمة العدل الدولية ومذكرات توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق قادتها.
ويُحتجز علي حالياً في سجن أوسني بمنطقة فال دواز قرب باريس، بعد أن قضى أربعة أشهر في «وحدة تقييم التطرف» داخل سجن فاندين-لو-فييل شديد الحراسة، وهي منشأة سبق أن تعرضت لانتقادات رسمية بسبب أوضاع الاحتجاز وانتهاك الحقوق الأساسية للسجناء.
ووُلد علي في مخيم بلاطة للاجئين قرب نابلس في الضفة الغربية المحتلة، حيث لجأت عائلته بعد تهجيرها القسري من يافا عام 1948.
وفي طفولته، شهد مقتل شقيقه الأصغر برصاص جندي إسرائيلي، قبل أن يتعرض هو نفسه لسلسلة من الاعتقالات، بينها اعتقال إداري مطوّل دون محاكمة. وقد أُفرج عنه في كل مرة دون توجيه تهم، وفق ما تؤكد منظمته الحقوقية.
وخلال اعتقاله الثالث، توفي والده بسكتة دماغية بعد تلقيه معلومات كاذبة عن وفاة ابنه في السجن، فيما تقول المجموعة إن السلطات الإسرائيلية تعمدت تأخير الإفراج عن علي لمنعه من حضور جنازة والده.
بعد ترحيله من إسرائيل، اعتُقل علي لفترة وجيزة في إيطاليا عام 2016 بناءً على طلب إسرائيلي أيضاً، لكن القضاء الإيطالي أمر بالإفراج عنه، واعتذرت الحكومة ومنحته صفة لاجئ وتعويضاً مالياً. غير أنه غادر إيطاليا لاحقاً ليستقر في فرنسا، حيث عمل وأسّس عائلة.
وتشير المجموعة إلى أن شريكته شُخّصت، بعد أسابيع من اعتقاله، بسرطان شديد العدوانية، ربط الأطباء تطوره السريع بضغط نفسي حاد، فيما يعاني أطفاله من نوبات قلق متكررة منذ المداهمة.
وأطلقت مجموعة «أطلقوا سراح علي» عريضة عامة للمطالبة بالإفراج الفوري عنه، وإعادة وضعه كلاجئ، ووقف أي مسار قضائي مبني على اتهامات إسرائيلية، محذّرة من أن تسليمه أو ترحيله سيكون «حكماً بالإعدام البطيء داخل سجون الاحتلال».
وترى المجموعة أن قضية علي ليست معزولة، بل تعكس توجهاً أوروبياً متزايداً نحو «تجريم الوجود الفلسطيني» باستخدام قوانين الهجرة وتشريعات مكافحة الإرهاب، ما يهدد أسس الحماية الدولية للاجئين ويفتح الباب أمام انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.



