قبرص الصغيرة أمام اختبار أوروبي كبير مع توليها رئاسة الاتحاد في زمن الأزمات

اعتبارًا من الأول من يناير/كانون الثاني 2026، تتسلم قبرص، إحدى أصغر دول الاتحاد الأوروبي، رئاسة مجلس الاتحاد في مرحلة تُعد من الأكثر تعقيدًا في تاريخ التكتل، وسط أزمات سياسية وأمنية واقتصادية متشابكة تضرب القارة الأوروبية.
وتُكلَّف نيقوسيا بمهمة توجيه دفة العمل الأوروبي لمدة ستة أشهر، في وقت يواجه فيه الاتحاد تحديات تتراوح بين الحرب الروسية على أوكرانيا، وأزمات الطاقة والتنافسية الصناعية، وصولًا إلى صياغة الميزانية الأوروبية طويلة الأجل وإعادة النظر في حزمة واسعة من التشريعات.
ويصف دبلوماسيون أوروبيون حجم التحدي بأنه غير مسبوق بالنسبة لدولة صغيرة ومحايدة عسكريًا مثل قبرص، التي تُعد من أبعد العواصم جغرافيًا عن بروكسل.
وقال أحد الدبلوماسيين، طالبًا عدم الكشف عن هويته، إن رئاسة الاتحاد تتطلب موارد بشرية وخبرة إدارية كبيرة، وهي أمور عادة ما تتوفر لدى دول اعتادت على لعب أدوار قيادية داخل التكتل، مثل لوكسمبورغ أو ألمانيا، أكثر مما هي متاحة لدول صغيرة.
ورغم هذه الشكوك، كثفت الحكومة القبرصية استعداداتها خلال الأشهر الماضية لتفادي أي إخفاق.
فقد رفعت نيقوسيا عدد موظفي بعثتها الدائمة في بروكسل من نحو 100 إلى أكثر من 250 موظفًا، واستعانت بكوادر من مؤسسات الاتحاد ودول أعضاء أخرى، كما أجّلت حفل إطلاق رئاستها الرسمي إلى 21 ديسمبر لإتاحة مزيد من الوقت للتحضير. كذلك تم تنظيم رحلات جوية مباشرة شبه يومية بين بروكسل ونيقوسيا لتسهيل تنقل الدبلوماسيين والمسؤولين.
وتؤكد مصادر أوروبية أن هذه الخطوات ساهمت في تهدئة المخاوف. وقال دبلوماسي آخر من دولة عضو إن الانطباع السائد في بروكسل بات أكثر إيجابية، مضيفًا أن قبرص “تفعل ما يجب عليها فعله”، رغم محدودية خبرتها السابقة.
على صعيد الملفات، تستعد نيقوسيا لإدارة نقاشات شائكة حول القوانين البيئية الخاصة بصناعة السيارات، وتخفيف الأعباء البيروقراطية على قطاع التكنولوجيا، إضافة إلى مفاوضات صعبة بشأن الميزانية متعددة السنوات. ويظل الملف الأمني، ولا سيما التوتر مع روسيا، حاضرًا بقوة على جدول الأعمال.
وتسعى قبرص أيضًا إلى إعادة ضبط صورتها داخل الاتحاد، بعد سنوات من النظر إليها كدولة مترددة في مواقفها تجاه موسكو، خاصة أنها ليست عضوًا في حلف شمال الأطلسي.
وفي هذا السياق، أقدمت على سحب مئات الجنسيات الممنوحة سابقًا لروس ضمن برنامج “الجواز الذهبي”، في إشارة إلى تقارب أوضح مع المواقف الأوروبية.
وقالت نائبة وزير شؤون الاتحاد الأوروبي في قبرص، ماريلينا راونا، إن الرئاسة تمثل فرصة لإظهار قبرص كدولة مستقرة وقادرة على الصمود، ولتعزيز دورها بوصفها الدولة العضو الوحيدة في الاتحاد الأوروبي في شرق المتوسط.
وتكتسب الجغرافيا القبرصية أهمية إضافية في ظل تطورات الشرق الأوسط، خصوصًا الحرب في غزة، حيث لعبت نيقوسيا دورًا في جهود إيصال المساعدات الإنسانية وطرحت مبادرات سياسية، ما وضعها تحت أنظار العواصم الغربية.
ورغم التحديات اللوجستية وبعد المسافة عن بروكسل، ترى القيادة القبرصية أن نجاح الرئاسة قد يمنحها مكاسب سياسية ومعنوية كبيرة.
وبينما يترقب الأوروبيون أداء نيقوسيا، تبدو قبرص عازمة على تحويل هذا الاختبار الصعب إلى فرصة لإثبات حضورها على الساحة الأوروبية.



