شئون أوروبيةمقالات رأي

ملفات البحث المتوقعة في قمة ترامب وبوتين

واشنطن- أوروبا بالعربي
يلتقي الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 16 يوليو/ تموز الحالي، أكثر نظرائه تهديداً لشرعيته الدستورية، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في ظل استمرار شبح تحقيق تدخل موسكو في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016.
والتوقعات محدودة لهذه القمة المرتقبة، لكن ما نتج عنها حتى قبل انعقادها يكفي لتسليط الضوء على أهميتها. يلتقي ترامب مع بوتين الذي تزداد شهيته للقتال والتسوية على جبهات عدة.
الجيش الروسي يقود معركة استعادة الجنوب السوري كما تشن المجموعات المسلحة المدعومة منه هجومات على الجيش الأوكراني. بوتين أجرى صفقة مع إسرائيل في الجنوب السوري وفرض على واشنطن القبول بها.
توتر التعاون الروسي – الإيراني، بعد طلب موسكو سحب كل القوات الأجنبية من سورية، أدى الى تقارب روسي – أوروبي، دفع ترامب الى استعجال القمة مع بوتين، والمطالبة بإعادة روسيا الى مجموعة الثمانية بعد تعليق عضويتها عام 2014 غداة ضمها شبه جزيرة القرم التي لن يتم إدراجها على جدول أعمال اجتماع هلسنكي وفق ما أعلنه الكرملين يوم أمس الاثنين، بما أنهما “يمكنهما أن يناقشا كل المواضيع، باستثناء القرم”، على حد تعبير المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف.
ورمزية هذا اللقاء بعد حوالي أسبوعين تكمن في اختيار مدينة حيادية مثل العاصمة الفنلندية هلسنكي في إخراج مشابه لسيناريو قمة سنغافورة الشهر الماضي بين ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ ـ أون.
سيكون هذا اللقاء الرابع بين ترامب وبوتين بعد أول لقاء رسمي على مدى نصف ساعة على هامش قمة مجموعة العشرين في مدينة هامبورغ الألمانية في شهر يوليو/ تموز 2017.
والاجتماع الثاني كان في القمة ذاتها أثناء عشاء قادة مجموعة العشرين، حين تحدث ترامب مع الرئيس الروسي على مدى ساعة بحضور مترجم بوتين فقط في خطوة اعتبرت حينها انتهاكاً لبروتوكولات الأمن القومي الأميركي.
واللقاء الثالث كان على هامش قمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ في فييتنام في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
والدينامية تبقى هي نفسها في اللقاء الرابع المرتقب. أولاً، لا قدرة على تحقيق اختراق كبير في العلاقة الثنائية بين البلدين حتى حسم القضاء الأميركي لمسألة التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية.
ثانياً، ونتيجة الضغوط داخل الإدارة الأميركية وفي الكونغرس، ترامب غير قادر على رفع العقوبات الأميركية عن موسكو أو إبداء مرونة في ملف أوكرانيا، أو التراجع عن ردع الحلف الأطلسي للنفوذ الروسي في أوروبا. التقارب الوحيد العام الماضي كان حول سورية، حين كانت هناك حاجة مشتركة لإجراء اتفاق لوقف إطلاق النار في الجنوب السوري، كان حينها على حساب إسرائيل.
تبقى سورية مساحة التسوية في قمة هلسنكي، لكن الفارق هذه المرة هو الدينامية الإقليمية. عرض ترامب هو تلزيم الجنوب السوري لموسكو وإعادة روسيا إلى مجموعة الثماني مقابل إبعاد إيران ووكلائها عن الحدود الأردنية والإسرائيلية لسورية وحياد روسيا في الضغوط الأميركية على إيران. هذه التسوية تبلورت معالمها وبدأ تنفيذها عملياً على الأرض.
واشنطن تخلت عن الفصائل في الجبهة الجنوبية وسيطرة النظام على معبر نصيب مع الأردن ربما تكون مسألة وقت، فيما الشرطة الروسية أصبحت شبه مستعدة للانتشار لضمان تنفيذ هذا الاتفاق.
كما أبدى ترامب استعداده لسحب القوات الأميركية من قاعدة التنف، بعد التأكد من عدم وجود قوات إيرانية أو وكلائها في الجنوب السوري، كلها تنازلات أميركية في سورية، وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) ليست راضية عنها.
كما أبرمت موسكو تسوية مع السعودية و”أوبك” لزيادة الإنتاج النفطي لتفادي أي تداعيات للعقوبات الأميركية على طهران. تريد موسكو منع حصول أزمة في أسعار النفط عندما يتوقف شراء النفط الإيراني، وبالتالي تمر العقوبات من دون صراخ أوروبي أو تأثير على الاقتصاد الأميركي قبيل انتخابات الكونغرس النصفية في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
طبعاً الوصول إلى فكرة هذا اللقاء تدرجت عبر مراحل. ترامب اتخذ قرارات صوّرته على أنه قادر على تحدي بوتين عند الضرورة، مثل طرد دبلوماسيين روس في شهر مارس/ آذار الماضي وضرب النظام السوري في شهر إبريل/ نيسان الماضي وبيع أسلحة فتاكة لأوكرانيا ونشر قوات أميركية في بولندا، بالإضافة إلى سلسلة من العقوبات الأميركية على موسكو خلال الأشهر الأخيرة.
بوتين من جهته أيضاً اتخذ خطوات تمهيدية ترك خلالها مسافة من إيران تمهيداً لإعادة وصل ما انقطع مع الأوروبيين والأميركيين.
مع أن التوقعات تبقى محدودة، يبقى عنوان قمة هلسنكي هو استرجاع التواصل وإعادة فتح قناة تواصل مباشرة بين واشنطن وموسكو، بما في ذلك محادثات لوقف أي جنوح نحو سباق تسلح نووي بين البلدين.
ولتقييم تداعيات هذه القمة، يجب ترقب أي تداعيات ترفع الحظر عن تحركات السفير الروسي لدى واشنطن أناتولي أنتونوف، الذي يعيش عزلة دبلوماسية في واشنطن، على عكس الدور المحوري الذي يلعبه السفير الأميركي لدى موسكو جون هاتسمان.
المفارقة أن ترامب يلتقي بوتين بعد قمة الحلف الأطلسي في 11-12 يوليو وزيارة لندن في 13 يوليو، في ظل قلق أطلسي من النفوذ الروسي وفي ظل حرب باردة غير معلنة بين لندن وموسكو.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى