اتجه مسار الأزمة الخليجية، التي يمكن اعتبارها قراراً خطرً باتجاه أبعادٍ أعمق من كونها مجرد خلافات وجهات النظر، لما تملك من خطورة سياسية واجتماعية، حيث جعلت فرصة اعتقاد المشهد بأنه ضمن المجالات التنافسية صفراً، فقد دخلت الكثير من الدول الأووبية مجال التنافس فيما بينها كالمنافسة بين ألمانيا و فرنسا، لكن الأزمة الخليجية بعيدة جداً عن هذا الاحتمال بل هي بلا أدنى شك أزمة فكر سياسي عند الكثير من الأنظمة الخليجية التي يدخل خيار قه الشعوب ضمن سياساتها، فلماذا كانت قطر ضمن هذا الخيار؟
للإجابة على هذا السؤال لابد وأن نشير إلى التركيبة السياسية لمجلس التعاون الخليجي، الذي يمثل البرلمان المصغر لدول المنطقة، ويمكننا أن ننوه إلى الروابط التي يمكن اعتبارها سايسية واجتماعية بين أعضائه لكن حسب المؤشرات فهو يدخل في الإطار الكونفدرالي الذي وباختصار يجتمع على ما يُتفق عليه عدا ذلك فهو لا مسؤولية عليه.
ويمكننا أن ننظر إلى السنوات الأخيرة، التي أصبح هذا المجلس غير قادر على أن يسيط على الخلاف الذي يتنامى بين دول المنطقة، أما عن السعودية والإمارات فقد كانت ضمن المعبرين عن الفرق الأيدولجي الذي لا يمكن التغافل عنه بين قطر وبينهم، ودليل ذلك حسب تصريحاتهم موقف قطر من الأحداث التي عاشها الوطن العربي في السنوات الأخيرة، وأكثر الأحداث شيوعاً الربيع العربي وكذلك الأزمة التي تعرضت لها الأنظمة في قضايا حقوق الإنسان والصحافة.
بالإضافة إلى استقلالية القرار القطري، الذي كان يسير باتجاه مضايقة أعضاء المجلس التعاوني، وذلك بسبب عدم فهم الفكر القطري وأبعاده السياسية الذي يهدف إلى الإصلاح مع بدايته التي تزامنت مع تولي الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، مقاليد السلطة وفرضه لفكر الإصلاح من خلال تنفيذ بعض الخطوات التي جاء منها ظهور قناة الجزيرة باعتبارها واجهة إعلامية أحدثت ثورة ثقافية فكرية إعلامية في الوطن العربي.
نعم لقد قدمت الجزيرة، كشفاً للحقيقة ونزعت الزيف الفكري وقدمت نتيجة مهمة جداً (أن الوطن العربي قد تغير )، وأن الثورات العربية ما قامت إلا للمطالبة بالحريات السياسية ومقاومة الاستبداد الذي خنق الحريات، مؤكدة على أن الثورات العربية بنتائجها ما هي إلا اختيار الشعب ولا يمكننا تسميته انقلابات، لأنها فتحت للشعوب مجال الاختيار بنفسه لا فرض السلطات.
هذا كله ما جعل الإمارات والسعودية ودول أخرى، تدخل في إطار موحد للوقوف ضد النهضة والدعوة إلى بقاء النظام القديم، وببساطة التعبير لم تستطع فهم سنة التغير التي لابد وأن يمر الكون بها، حيث هذه أولى الخطوات التي جعلت الفكر القطري يتفوق على جميع الأفكار والمدخرات السياسية في المنطقة لأنه سار باتجاه الإصلاح لا محاربته.
فالإجراءات التي يمكن اعتبارها عقابية ضد دولة قطر، دليل على عدم فهم الأنظمة الأخرى فلسفة التجديد التي دعت إليها الدولة، وهذا يدل على نجاح القرار القطري في تبني صحوة الشعوب والكشف عن حقيقة محاصريه، ومع ذلك فإن الدولة المحاصرة لم تتراجع البتة بل لديها استعداد قوي للاستمرار ولو كلفهم خسارة التوازن في المجلس التعاوني .
وهذا يقودنا إلى الحل الوحيد لهذه الأزمة وهو الحوار الذي أكدت عليها أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد ال ثاني، ولكن ضمن شروط واقعية تأخذ بعين الاعتبار احترام سيادة الدول وسيادة قرارها.
وهذا يعطي من وجهة نظري نقطة تصب في صالح الطرف السعودي لحل هذه الأزمة، التي بلاشك هي حمل ثقيل لما يحدث في السعودية من أحداث بسبب القضايا الداخلية للسعودية وحرب اليمن، وهذا يتزامن مع نجاح صانع القرار القطري في إدارة العلاقات مع كل الأطراف الدولية التي يهمها حل الأزمة الخليجية .
وماذا عن الموقف الإماراتي ؟!
والذي يمكن أن نحسبه متطرفاً، فلم يستخدم خيار العقل البتة ويقضي على كل الفرص التي تشير إلى المستقبل وخنق أنفاس الأمل، الذي يرنو إليه الربيع العربي بسبب ضيق مساحة التفكير التي لا تتماشي مع المتغيرات السياسية بل تقتنع بفكر هدر الأموال من أجل تدمير الشعوب فأصبحت عاجزة أمام إقناع العالم بما لديها من أفكار.
وإن من السخافة أن تسير تجاه تكوين معارضين للسياسة القطرية ودعوة للإرهاب باعتبار قطر من الدولة الكبيرة في تصنيع القرار وهذا ما يدعو إلى ضرورة التدخل الغربي لحل الأزمة إذا فشلت الوساطات المحلية بذلك.