يعيش رجال السعوديين ” آلام اصلاحات ولي العهد محمد بن سلمان “، ففي الوقت الذي يعبر فيه بعض السعوديين عن تفاؤلهم برؤية ولي العهد ، تشتد مخاوف آخرين بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي وموجة الاعدامات في السعودية من هذه اجراءات ولي العهد.
ووفق تقرير لصحيفة ” فايننشال تايمز البريطانية “، فان الشركات السعودية هي التي تحملت وطأة التغييرات الشاملة التي أطلقها محمد بن سلمان، فبعد انخفاض أسعار النفط عام 2014، لم يتمّ دفع عشرات المليارات من الدولارات من العقود الحكومية.
الصحيفة البريطانية نقلت، عن مسؤول تنفيذي أجنبي أن ” هناك نحو سبعة آلاف شركة صناعية في السعودية، والكثير منها تخسر المال أو بالكاد تكسبه “.
وأغلت الكثير من المحلات في جدة أبوابها، وكُتب عليها عبارة ” للإيجار”، كما يشتكي التجار من انخفاض المبيعات، والخروج الجماعي لأكثر من 1.7 مليون أجنبي، وارتفاع التكاليف بسبب السياسات الحكومية.
الصحيفة تتساءل “هل يستطيع محمد بن سلمان الحاكم الفعلي تأمين دعم القطاع الخاص المكدوم ويعيد تشكيل الإقتصاد ويولد فرص عمل للشباب الذين يعانون من بطالة مستشرية “؟!
وكانت رؤية 2030 احتوت منذ البداية على ملامح تؤكد على زيادة دور القطاع الخاص في الناتج المحلي العام من 40% إلى 65% وخلق 450.000 وظيفة غير حكومية بحلول عام 2020 بالإضافة لتقليل نسبة البطالة من 12.5 حاليا إلى 9%. وقال مدير تنفيذي غربي “لن يتم تحقيق أي من هذا بدون القطاع الخاص”.
وتضيف الصحيفة أن الشركات السعودية هي التي تحملت العبء الأكبر من سياسات محمد بن سلمان، الواسعة والتي ضمت قطع كبير للدعم على الطاقة وتشريع ضريبة القيمة المضافة والتي أثرت على القدرة الشرائية لأصحاب البيوت.
وأفاد تقرير فايننشال تايمز بأن مخطط محمد بن سلمان، كان يقوم على التوجه نحو القطاع الخاص، إلا أن هذا المشروع جعل الحياة في السعودية صعبة.
وصرّح محام سعودي من مدينة جدة (اشترط مثل كثيرين تحدثت إليهم الصحيفة عدم الكشف عن هويته خشية التعرض لملاحقة النظام) بأن “المشكلة الأساسية هي السيولة، وليست استمرارية هذه المشاريع، إنها نقص المداخيل. لقد تسارعت وتيرة عمليات الإغلاق خلال العام المنقضي”.
ويقول التقرير إن السعودية تعيش تغييرات دراماتيكية، تُمرر بالقوة، منذ أن أطلق محمد بن سلمان، رؤية 2030 لتحديث البلاد. ووفق التقرير فان الشركات السعودية أبرز متضرر من قرارات محمد بن سلمان، ذلك أن التخفيضات الكبيرة في دعم الطاقة، إلى جانب إحداث ضريبة؛ أثرا بشكل مباشر على إنفاق العائلات السعودية.
و أدى الارتفاع الكبير في تعريفة جلب العمال الأجانب، الذين كانوا يشغلون 90% من القطاع الخاص، إلى ارتفاع التكاليف وتراجع الأرباح، وهو ما أحدث حالة خروج جماعي للوافدين، إلى جانب تراجع الطلب الاستهلاكي، الذي أدى بدوره إلى حالة انكماش اقتصادي.
ويرى أشخاص مقربون من البلاط الملكي في السعودية أن ولي العهد كان يراهن على تطوير القطاع الخاص باستخدام أدوات الدولة، خاصة صندوق الاستثمارات العامة، مع تجاهل الشركات التقليدية التي كان محمد بن سلمان ينظر إليها بازدراء، لأنها حققت الثراء بفضل العقود الحكومية والعمالة الأجنبية الرخيصة.
وتغيرت هذه الحسابات منذ اغتيال خاشقجي في إسطنبول، بما أن الكثير من المستثمرين الأجانب الذين كان محمد بن سلمان يحاول التقرب منهم، أصبحوا يفكرون في المخاطر السياسية للاستثمار في المملكة.
وذكر التقرير أنه خلال الشهر المنقضي، أفاد صندوق النقد الدولي بأن الإصلاحات الاقتصادية “بدأت تسفر عن نتائج إيجابية”، ملقيا الضوء على النمو الذي شهدته القطاعات غير النفطية، والزيادة في مشاركة القوى العاملة من النساء. لكن هذا التقدم يتسم بالهشاشة؛ إذ يعتمد بشكل كبير على أسعار النفط والإنفاق الحكومي.
وسجّل اقتصاد المملكة نموا قدره 2.2% خلال العام الماضي، بعد الركود الذي عرفه في 2017، لكن ووفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي، فمن المحتمل أن يتراجع هذا النمو خلال العام الحالي ليبلغ 1.9%.
ومع ذلك، لم تحرز الرياض أي تقدم ملحوظ على مستوى الإصلاحات الأخرى، مثل برنامج الخصخصة الذي قطعت وعدا بتطبيقه، وفق تقرير الصحيفة البريطانية.
ونقلت الصحيفة عن أحد المصرفيين السعوديين المتقاعدين قوله إن “استياء بعض الشركات لا يتعلّق بالإصلاحات في حد ذاتها، ولكن بوتيرة الإصلاح المالي وتباطؤ الإصلاح الاقتصادي”.
وأشارت الصحيفة إلى أن جدة، العاصمة الاقتصادية للمملكة تأثرت عائلاتها التجارية العريقة من السياسات التي تبناها محمد بن سلمان. ونقلت عن أحد أعضاء عائلة ثرية سجن اثنين من ابنائها في الريتز قوله “هناك تعديلات كثيرة- فقد ضرب سوق العقارات من كل زاوية، وترك خروج أعداد ضخمة من العمالة الوافدة فراغا فيما تقوم الرياض بأخذ كل من لديه خبرة عالية” ومع ذلك فهو يدعم الإصلاحات ويرى أن النظام التقليدي الأبوي القائم على الرعاية لم يعد صالحا.
ويقول واحد من العائلات الثرية إن “العديد من التعديلات ألحقت الضرر بمجال العقارات من نواحي عديدة، كما تسبب رحيل عدد هائل من العمال الأجانب في خلق فراغ. علاوة على ذلك، يتركز جميع الأشخاص ذوي النفوذ الواسع في الرياض”.
وأفاد مسؤول تنفيذي غربي بأن المشكلة الأكبر اليوم تتمثّل في انعدام الثقة، كما ذكر أحد رجال الأعمال في جدة أن “التجارة تعدّ حكرا على الرياض، بينما يعيش الناس في فقر، في ظلّ غياب المساءلة”، متّهما صندوق الاستثمارات العامة “بتبديد أموال الدولة”.
وبحسب تقرير الصحيفة البريطانية، فإن دور صندوق الثروات السيادية يعدّ مثيرا للجدل؛ إذ يرى البعض أنه ضروري لتطوير قطاعات جديدة، بينما يعتقد آخرون أنه أداة شخصية يستغلّها الأمير محمد بن سلمان لمزاحمة القطاع الخاص.
ونقل التقرير عن مسؤول تنفيذي في السعودية أن “ولي العهد كان على اعتقاد خاطئ بأن رأسمالية الدولة ستعزِّز الاقتصاد كما هي الحال في الصين وكوريا الجنوبية. والمؤسسة التي تمثل هذه الرأسماليّة هي صندوق الاستثمارات العامة، لكنّ القطاع الخاص كان ضعيفا لأن ولي العهد يعتبره عنصرا طفيليا لا يمكن الوثوق به، وجلّ ما يريده ولي العهد هو التحكم في أدوات الاقتصاد”.