جيوبوليتكال فيوتشرز : الأزمة الخليجية أنهت طموحات السعودية لقيادة المنطقة
قضى الحصار الظالم على قطر من قبل السعودية، والامارات ومصر والبحرين، على طموحات السعودية في السيطرة وقيادة المنطقة بأسرها. فلا زالت هذه الدول الأربعة عاجزة عن تقديم أدلة حقيقية وتبريرات منطقية حول الأزمة المفتعلة من قبلها ضد قطر.
ورغم الحصار المستمر على قطر إلا أنه كان نقطة الذروة في صراع مشتعل منذ أن أصبحت السعودية زعيما فعليا في الشرق الأوسط، وهو دور سعت إليه الرياض لإجبار جميع الدول العربية السنية، وخاصة دول الخليج العربية للخضوع لرغباتها، ومع ذلك نادرا ما نجحت في هذا الصدد.
ووفق تقرير لموقع “جيوبوليتكال فيوتشر” فان السعودية جمعت تحالفا فضفاضا من الدول التي تعزز قوتها وتساعد على عزل إيران، منافستها الإقليمية، لكن نظرة خاطفة على تاريخها الحديث تُظهر أن الروابط التي تربط الرياض بكل دولة من هذه الدول كانت ضعيفة.
الرياض كانت مضطرة في وقت ما ، إلى خطف رئيس وزراء لبنان، كما كان عليها إنقاذ البحرين، ودفعت الكثير من أجل شراء ولاء مصر والسودان.
وقال الموقع ” إن حلفاء مثل الإمارات أكثر موثوقية، لكن الإمارات تعمل لخدمة مصالحها أكثر مما تهتم بالمصالح والهواجس السعودية حول مواجهة إيران “.
وقال الموقع ” قد تكون المملكة زعيما إقليميا، لكن قوتها مثل قوة التحالف الذي تقوده. وما دامت فشلت في جلب البلدان التي تعيش في مجال نفوذها المفترض اقتصاديًا وسياسيًا وديموغرافيًا، فسوف تكافح من أجل أن تكون أكثر من مجرد قوة متوسطة، وسوف تعاني المنطقة بأكملها من جهود السعودية للصعود ولعب دور أكبر من حجمها. وليس هناك تذكير صارخ أو مؤلم بهذه الحقيقة أكثر من فشل حصار قطر.
واكد التقرير ان السعودية تعد دولة قوية بمعايير القوى المتوسطة. وجعل النفط والغاز الطبيعي السعودية دولة غنية، واستغلت الرياض ثروتها لتطوير جيش كبير مجهز بشكل جيد. (في عام 2017، أنفقت السعودية ما يقرب من 70 مليار دولار على الدفاع، أي ما يعادل حوالي 10% من ناتجها المحلي الإجمالي، مما يجعلها ثالث أكبر منفق في العالم، وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام).
في المقابل، تتشابك الحكومة القطرية مع السياسات العالمية من خلال الانخراط في جهود الوساطة والتفاوض، وتنفق قطر مبالغ ضخمة على المساعدات الدولية، من الإغاثة في حالات الكوارث في الولايات المتحدة إلى المساعدات الإنسانية في الضفة الغربية إلى الاستثمار الأجنبي في الاقتصادات النامية. وتخدم قطر مصالح الولايات المتحدة أيضا، باستضافة واحدة من أكبر وأهم القواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط والوساطة في محادثات السلام بين الولايات المتحدة وطالبان.
وأكد التقرير أنه إذا كان الغرض من الحصار هو الضغط على قطر لتقديم تنازلات، فقد فشل في ذلك تماما. وفي وقت مبكر من سبتمبر/أيلول 2017، كانت الدوحة ترسل 30 مليون دولار كمساعدات لضحايا إعصار هارفي في الولايات المتحدة. وفي أواخر مايو/ أيار 2019، أرسلت 480 مليون دولار كمساعدات إلى الضفة الغربية وقطاع غزة.
وتم تخفيف بعض خسائر الاستيراد مع افتتاح ميناء حمد في سبتمبر/ أيلول 2017، والذي يمكنه التعامل مع ما يقرب من 8 ملايين طن متري من البضائع سنويًا. وهو ما يؤكد أن حصار قطر فشل في تحقيق أهدافه الدبلوماسية، في الوقت الذي نجحت فيه الدوحة في التغلب على تداعياته الاقتصادية بشكل تدريجي. وهناك إجماع إلى حد ما على أن دول الحصار أخطأت في تقدير مدى ثبات دعم واشنطن.
تحدث التقرير عن نجاح قطر في البحث عن شركاء تجاريين جدد للتعويض عن النقص في الواردات. ووصلت إلى شركاء غير تقليديين مثل ألمانيا في أواخر عام 2018، ووعدت باستثمار أكثر من 11 مليار دولار في الطاقة وقطاع التمويل الألماني لتشجيع العلاقات التجارية الثنائية القوية.
ونجحت قطر في التعافي من آثار الحصار سريعا لأنها كانت لا تزال قادرة على تداول نفطها وغازها بلا تأثر. وصدرت الدوحة حوالي 81 مليون طن من الغاز الطبيعي في عام 2017، بنسبة 28% من تجارة الغاز العالمية في ذلك العام.
ووفقا لصندوق النقد الدولي، نما الاقتصاد القطري فعليًا بعد فرض الحصار، بنسبة 1.6% في عام 2017 وبنسبة 2.2% في عام 2018.
ولفت التقرير الى سبب اخر لفشل الحصار هو تركيا. ففي 7 يونيو/ حزيران 2017، أي بعد يومين فقط من فرض الحصار، صادق البرلمان التركي على اتفاقية سمحت للقوات التركية بالتمركز في قطر، كما وافق على اتفاق للتعاون في مجال التدريب العسكري.
وكانت تركيا من بين أول من تدخل لتجديد إمدادات الغذاء في قطر. ومن عام 2016 إلى عام 2017، زادت الصادرات التركية إلى قطر بنسبة 50%، وفي عام 2017، كانت تركيا ثامن أكبر وجهة للصادرات القطرية. وفي أغسطس/ آب 2018، تعهدت قطر باستثمار 15 مليار دولار في الاقتصاد التركي وبلغ حجم التجارة الثنائية بين قطر وتركيا حوالي 2 مليار دولار في عام 2018، وقال مسؤولون أتراك وقطريون إنهم يريدون رفع هذا الرقم إلى 5 مليارات دولار خلال السنوات القليلة المقبلة.
وأكد التقرير أن دول الحصار اخطأت في تقدير قدرة بعض الحلفاء على الدفاع عن قطر. وقد لا يكون الأمر مهمًا على أي حال، لأن ثروة قطر مكنت الحكومة من استيعاب أي ضربات جاءت من الحصار وتعديل اقتصادها وفقًا لذلك.
ويضيف التقرير: لا يعد الحصار المفروض على قطر مثيرًا للاهتمام فقط لأنه فشل، ولكن بسبب تداعياته اللاحقة على المنطقة بأسرها.
في النهاية، لم تلق الولايات المتحدة بثقلها الكامل خلف أي طرف، وتم تبريد ” حبها الرومانسي الجديد” على حد وصف التقرير مع السعودية بعد قتل “جمال خاشقجي”، وتبقى علاقاتها المباشرة مع تركيا دون تغيير إلى حد كبير؛ ورغم الخلاف بينهما على عدد من القضايا، تبقى علاقتهما الإستراتيجية مهمة للغاية ولا يمكن التخلي عنها.
وتوقع “جيوبوليتكال فيوتشرز” أن تكون تركيا هي القوة المهيمنة في الشرق الأوسط، حيث تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي، وتعداد سكاني مناسب، واقتصاد مستقر نسبيا وجيش قوي، وطموح إيديولوجي إسلامي.. وإذا حدث ذلك، فسيأتي على حساب السعودية. ولا يعد هذا هو السبب الوحيد وراء دعم أنقرة لقطر طوال فترة الحصار، لكنه كان بالتأكيد فائدة إضافية.
وذكر التقرير انه ربما يكون الجزء الأكثر إثارة للسخرية في هذه الحلقة بأكملها هو أن السعودية كانت متواطئة في إضعاف نفسها. فمن خلال محاولة تقويض تركيا، انتهى الأمر بالسعودية إلى تمكينها من توسيع دورها في الشرق الأوسط من خلال دعم قطر. ومن خلال اغتيال “جمال خاشقجي”، فإنها قوضت تماما جهودها لكسب أي دعم دولي للحصار المفروض على قطر. ويبدو إذن أن الدولة الوحيدة التي استفادت من الحصار كانت هي قطر نفسها.
وكان من المفترض أن تكون المقاطعة عقوبة، بدلا من ذلك، كانت أمرا صحيا حيث اختبرت بعض الحلفاء. بالنسبة لقطر، سيكون من المهم معرفة من يقف إلى جانبها في العقود المقبلة حيث تتنافس تركيا والسعودية على التفوق في الشرق الأوسط.