تحصين “قلعة أوروبا”.. تنديد حقوقي بميثاق الهجرة الأوروبي الجديد
قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ التطويرات المقترحة على ميثاق الهجرة واللجوء الأوروبي تؤكد نوايا دول الاتحاد الأوروبي في التهرب من التزاماتها القانونية تجاه المهاجرين وطالبي اللجوء.
وذكر المرصد الأورومتوسطي في بيان أنّ الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي اتفقت خلال دورة مجلس العدل والشؤون الداخلية في 8 يونيو/حزيران 2023 على موقف تفاوضي بشأن الميثاق الجديد للهجرة واللجوء الذي طُرح في سبتمبر/ أيلول 2020، وهو بمثابة اتفاق سياسي بشأن تنظيم إجراءات اللجوء ولائحة إدارة اللجوء والهجرة التي ستشكل الأساس لمزيد من المفاوضات بين رئاسة المجلس وبرلمان الاتحاد الأوروبي.
وقالت الباحثة في شؤون اللجوء والهجرة في المرصد الأورومتوسطي “ميكيلا بولييزي” إنّ “محتوى الميثاق ما يزال قابلًا للتغيير، ولكن يتبين من التطويرات المقترحة حتى الآن أنّ الدول الأعضاء تهدف إلى تسريع إجراءات اللجوء وتجاهل التزاماتها القانونية بشأن اللجوء والهجرة”.
وتظهر البيانات الرسمية بشأن الميثاق أنّ معظم القضايا الرئيسة لم يتم البت فيها بعد. مع ذلك، أدخل المشرعون الأوروبيون تعديلات معقدة ومفاهيم جديدة بشأن اللجوء، ووعدوا بإبرام الاتفاقية بحلول فبراير/ شباط 2024 كجزء من “خارطة طريق مشتركة” بشأن الهجرة.
آخر التحديثات المتعلقة بالميثاق، وفقًا للبيان الصحافي الصادر عن مجلس الاتحاد الأوروبي في 8 يونيو/ حزيران الجاري
تُحدّد لائحة إجراءات اللجوء (APR) إجراءً مشتركًا يتعين على الدول الأعضاء اتباعه عند طلب الأشخاص الحماية الدولية في أوروبا، خاصةً فيما يتعلق بالترتيبات الإجرائية (على سبيل المثال: قواعد تسجيل الطلبات وتقديمها، والحد الزمني لفحص الطلبات، والإجراءات الحدودية).
والقواعد المتعلقة بحقوق وواجبات طالبي اللجوء (على سبيل المثال: الوصول إلى المساعدة القانونية والترجمة الفورية، والدعم الكافي للأفراد المحتاجين إلى ضمانات خاصة، والقواعد المتعلقة بالحق في الإقامة والاستئناف، وواجب مقدم الطلب في التعاون مع السلطات المختصة).
تستحدث اللائحة مجموعة إجراءات حدودية إلزامية على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي تهدف إلى التقييم السريع لطلبات اللجوء –أي في غضون 12 إلى 16 أسبوعًا– سواء كانت لا أساس لها أو غير مقبولة، وتمنع مقدّم الطلب من دخول أراضي الدولة خلال ذلك.
ينطبق هذا الإجراء الصارم على كل طالب لجوء تقريبًا، إذ يتم العمل به في كل حالة من هذه الحالات: بعد التوقيف عند عبور الحدود بشكل غير قانوني، وعند الوصول إلى اليابسة بعد عمليات البحث والإنقاذ في البحر، وعند تقديم شخص ما معلومات كاذبة للسلطات أو حجب معلومات عنها، أو حين يحمل جنسية دولة معدل قبول طلبات اللجوء لمواطنيها أقل من 20%.
لتنفيذ الإجراءات الحدودية، يجب أن تكون لدى الدول الأعضاء “القدرة الكافية” من حيث الاستقبال والموارد البشرية اللازمة لفحص عدد محدد من الطلبات وتنفيذ قرارات الإرجاع، وذلك بناءً على حصة الدولة من عمليات الدخول غير النظامية وعمليات البحث والإنقاذ.
تحديد هذه الآلية لسقفٍ سنويٍ قد يتسبب في سباق نحو القاع، إذ تُصرّح الدول بأن قدراتها الاستيعابية محدودة بهدف التعامل مع عدد أقل من الأشخاص في الإجراءات الحدودية، ومحاولة تقليل عدد الواصلين عبر البر والبحر، عادةً من خلال المزيد من عمليات الصد والإرجاع.
وما يثير الإشكال على وجه الخصوص هو المكان المقترح لهذه الإجراءات الحدودية التي من شأنها أن تمنع الدخول إلى أراضي الاتحاد الأوروبي، حيث سيُنقل طالبو اللجوء إلى موقع محدد على/ قرب الحدود الخارجية للدولة العضو المعنية أو إلى مواقع أخرى محددة داخل أراضي الدولة وتوجد فيها “المرافق المناسبة” قبل فحص طلباتهم.
ينصّ تقرير لائحة إجراءات اللجوء صراحةً على أنه يجب على الدول الأعضاء تحري سلطتها التقديرية عند اختيار المواقع التي يجب أن توضع فيها هذه المرافق وإخطار المفوضية الأوروبية بالإحداثيات الدقيقة لهذه المواقع، مما يتيح إمكانية استخدامها لفحص الطلبات التي لا تخضع لإجراءات الحدود.
ولكن السؤال حول ما إذا كانت المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني قادرةً أيضًا على معرفة المواقع المحددة لرصد حالة حقوق الإنسان وامتثال السلطات للالتزامات القانونية ما يزال بلا إجابة.
وتماشيًا مع إجراءات اللجوء المسرّعة، تقترح اللائحة أنه إذا طلب شخص ما اللجوء “في اللحظة الأخيرة فقط من أجل تأخير أو منع ترحيله” فلا ينبغي السماح له بالبقاء.
فضلًا عن اقتراح أن تقوم الدول الأعضاء بإجراء المقابلات الشخصية وجلسات الاستماع أمام محاكم الدرجة الأولى عبر الفيديو وإمكانية إصدار قرار الإرجاع كجزء من رفض طلب الحماية الدولية (غير مقبول أو لا أساس له أو لاغٍ).
كما ينص المقترح على أنه عند تطبيق الإجراء الحدودي، يجوز للدول الأعضاء إعطاء الأولوية لفحص الطلبات المقدّمة من مواطني دول ثالثة محددة يوجد احتمال كبير بإمكانية عودتهم إلى بلدانهم الأصلية أو أي بلد ثالث تعتبره سلطات الاتحاد الأوروبي آمنًا أو بلد اللجوء الأول.
وفي إطار السعي إلى تسريع دراسة القضايا وتخفيف العبء على السلطات المختصة، ستؤدي هذه السياسات إلى تقييد حقوق طالبي اللجوء والمهاجرين بشكل خطير وتثبيط رغبتهم في طلب اللجوء وتسوية أوضاعهم، فضلًا عن جعل إجراءات اللجوء الشاملة أكثر صرامة وسطحيةً وأقل إنسانية.
وفيما يتعلق بواجبات طالبي اللجوء على سبيل المثال، ينص تقرير أبريل/ نيسان على أن السلطات المختصة يجب أن تأخذ البيانات البيومترية عند تقديم أو تسجيل طلب الحماية الدولية ونقل البيانات وفقًا للائحة. وفي حال رفض طالب اللجوء، لا ينبغي السماح له بتقديم طلب اللجوء.
ينبغي أن تحل لائحة إدارة اللجوء والهجرة (AMMR) محل اتفاقية دبلن الحالية التي تحدد الدولة العضو المسؤولة عن فحص طلب اللجوء، ولكن من المرجح ألّا يُحدث المقترح الجديد سوى الحد الأدنى من التغيير، سواء فيما يتعلق بالحق في حرية تنقل المهاجرين وطالبي اللجوء، وضغوط الهجرة على دول الخط الأمامي في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
تقترح اللائحة أن تكون الدولة الأولى التي يتم فيها تسجيل طلب اللجوء مسؤولة عن فحصه، لتحل محل القاعدة التقييدية الحالية التي تنص على أن دولة الدخول الأولى هي المسؤولة عن فحص طلب اللجوء.
ولكن يضيف المقترح الجديد أنه إذا وصل شخصٌ ما إلى أراضي دولة عضو عن طريق عمليات البحث والإنقاذ في البحر، فإن تلك الدولة ستكون مسؤولة عن فحص طلب اللجوء لمدة تصل إلى 12 شهرًا بعد وصول الشخص لليابسة. وبالتالي، فإن وضع هذه الدول، بما في ذلك اليونان وإيطاليا وإسبانيا، لن يتغير كثيرًا.
وتهدف اللائحة أيضًا في هذا الصدد إلى الحد من الهروب، وتجنب التحركات الثانوية “غير المصرّح بها” بين الدول.
ستتغير الحدود الزمنية ويتم تسهيل إجراءات النقل بموجب اتفاقية دبلن دون مراعاة لرغبة طالبي اللجوء في اختيار مكان طلب اللجوء وبناء حياتهم، أو ما إذا كانوا يرغبون في البقاء في المكان الذي عاشوا فيه لشهور بالفعل.
على سبيل المثال، لن يؤثر عدم تقديم إشعار الاستعادة في غضون الحد الزمني على التزام الدولة العضو المسؤولة عن استعادة الشخص المعني.
وبالمثل، يجوز تمديد الحد الزمني لمدة أقصاها سنة واحدة إذا تعذّر تنفيذ النقل بسبب سجن الشخص المعني أو لمدة أقصاها ثلاث سنوات في حال هرب الشخص المعني.
وتنص اللائحة على تبادل المعلومات بين الدول ذات الصلة لفحص طلب اللجوء بدون موافقة مقدّم الطلب.
وتم اقتراح آلية تضامن جديدة تسمى “تجمع التضامن” لدعم الدول الأعضاء القليلة المسؤولة عن فحص الغالبية العظمى من طلبات اللجوء، وذلك من خلال المساهمات الفردية، بما يشمل نقل كل من طالبي اللجوء واللاجئين المعترف بهم منذ ثلاث سنوات أو أقل، والمساهمات المالية المباشرة، وإرسال الموارد أو الموظفين.
ومن غير الواضح إلى أي مدى ستصبح هذه الآلية الجديدة إلزامية، حيث يتصور المقترح أن طلب المساهمة قد يصبح إلزاميًا في ظروف معينة غير محددة. وبالمثل، فإن الدول الأعضاء المستفيدة من المساهمة ليست ملزمة بتنفيذ مساهماتها التضامنية التي تعهدت بها.
ونظرًا لأنه لن تكون هناك أي دولة ملزمة بتنفيذ عمليات النقل، فإن المقترح ينص على تعويض هذه الدول عن عدد عمليات النقل التي تعهدت بها، باعتبار أنها تحمّلت مسؤولية فحص طلبات اللجوء الخاصة بدولة عضو أخرى بحاجة إلى مساهمة.
وفقًا للمقترح الجديد، ينبغي على المفوضية اعتماد تقرير لإدارة الهجرة الأوروبية وتقييم الوضع سنويًا على طول طرق الهجرة وفي جميع الدول الأعضاء، فضلًا عن إصدار توصية بشأن “تجمع التضامن” الذي يحدد أي احتياجات وتدابير ضرورية لمعالجة حالات الهجرة الفردية للدول.
كما يحدد المقترح الأعداد السنوية على مستوى الاتحاد الأوروبي لعمليات النقل (لا تقل عن 30,000) والمساهمات المالية المباشرة (لا تقل عن 600 مليون يورو)، ويأخذ في الاعتبار العلاقات مع الدول الثالثة بما يتماشى مع رغبة الاتحاد الأوروبي في الاستعانة بجهات خارجية لتحقيق التزامات اللجوء ومنع المغادرة.
ويتوقع المقترح منتدى هجرة رفيع المستوى ضمن الاتحاد الأوروبي لجميع الدول الأعضاء والدول الثالثة التي اتفقت مع الاتحاد الأوروبي على معايير وآليات تحديد مسؤولية الدول في فحص طلبات اللجوء المقدمة في تلك الدول أو الدول الثالثة.
ويُزعم أنه يمكن دعوة هذه الدول الثالثة للمشاركة بغرض المساهمة في التضامن على أساس مخصص، ولكن على الرغم من عدم تحديد شكل المساهمة التي يمكنهم تقديمها إلى دول الاتحاد الأوروبي، إلا أنه من الجدير بالذكر أنه إذا اعتبرت المفوضية والمجلس أن بلدًا ثالثًا غير متعاون بشكل كافٍ في إعادة القبول، فعليهما اتخاذ “الإجراءات المناسبة”.
وأكّدت “بولييزي”، الباحثة في الأورومتوسطي أنّ “المقترحات تتضمن تنصلًا من إجراءات التضامن التي تعهدت بها الدول الأعضاء، إلى جانب إجراءات لجوء سريعة وقاسية تجري مباشرة على الحدود، والتي قد تمنع الأشخاص [الواصلين] لتوهم والذين ربما يعانون من صدمة نفسية من الحصول على الوقت والمكان المناسبين لإدراك قصتهم بشكل كامل وطلب الحماية”.
وأضافت أن السلطة التقديرية المطلوبة من الدول المحيطة بالمواقع المحددة التي سيُنقل إليها طالبو اللجوء الخاضعين للإجراءات الحدودية ينبغي أن تكون مصدر قلق كبير.
ونبّهت “بولييزي” إلى حقيقة أن “الجميع تقريبًا قد يخضع لهذه الإجراءات الحدودية الأسرع والأكثر صرامة، وأنه يمكن إصدار قرار بالعودة ورفض طلب الحماية الدولية”.
واختتمت: “تثبت هذه الأمثلة إلى أي مدى تبعُد الاتفاقات السياسية التي توصّل إليها وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي عن إطار حديث ومستدام للجوء والهجرة، وإلى أي مدى تقترب من كونها نظامًا طبيعيًا لتجريم المهاجرين وطالبي اللجوء وإخفائهم”.