في خطوة لافتة أثارت الكثير من الجدل السياسي، أعلن الاتحاد الأوروبي، إدراج إمارة موناكو وفنزويلا ضمن القائمة السوداء للدول “عالية المخاطر” في ما يتعلق بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، إلى جانب دول مثل سوريا وميانمار وبوركينا فاسو، في حين تم استبعاد الإمارات العربية المتحدة وجبل طارق وروسيا من القائمة المُحدّثة.
ويعني إدراج موناكو، المعروفة بثروتها الطائلة وجاذبيتها لكبار رجال الأعمال وأصحاب الثروات، أنها باتت تعتبر من قبل الاتحاد الأوروبي بلداً لا يوفر الضمانات الكافية لمكافحة الجرائم المالية.
وتزامن القرار مع تقارير تفيد بأن ملايين اليوروهات من الأموال المشبوهة المرتبطة بعمليات احتيال قام بها أوليغارش روس، والتي كشف عنها المحاسب الروسي الراحل سيرجي ماغنيتسكي، لا تزال مودعة في مؤسسات مالية داخل موناكو، دون أن تُفتح بشأنها تحقيقات جدية.
وقد نشرت المفوضية الأوروبية القائمة الجديدة بعد أسبوع من التأخير، وسط تساؤلات حول التوجهات السياسية التي تحكم قرارات الإدراج أو الاستبعاد.
الإمارات تُستبعد مجددًا
ورغم الاعتراضات السابقة من البرلمان الأوروبي، فقد خرجت الإمارات من القائمة السوداء، بعدما كانت قد أُدرجت فيها عام 2022.
وجاء القرار بعد أن قدمت أبوظبي تعهدات مكتوبة بتعزيز التعاون القضائي مع الاتحاد الأوروبي وهيئة “يوروبول”، إضافة إلى قيام بعثة برلمانية أوروبية بتقييم الوضع داخل الدولة الخليجية. وقد أدى ذلك إلى تراجع حدة المعارضة داخل البرلمان، رغم استمرار انتقادات بعض المشرّعين.
في هذا السياق، اعتبر راسموس أندرسن، النائب عن حزب الخضر الألماني، أن إزالة الإمارات من القائمة تمثل “قرارًا متسرعًا”، مشيرًا إلى أن “الإمارات لم تُحرز تقدماً كافياً”، وأن عقد اتفاقية تجارية معها سيمنح المجرمين منفذاً لإعادة تدوير أموالهم غير المشروعة داخل النظام المالي الأوروبي.
روسيا خارج القائمة.. مجددًا
ومن بين النقاط المثيرة للجدل في التحديث الجديد، استمرار استبعاد روسيا من القائمة رغم الدعوات المتكررة من أعضاء البرلمان الأوروبي.
وكان النائب التشيكي لوديك نيدرماير قد طالب المفوضية مؤخراً بـ”النظر بجدية” في إدراج روسيا، خاصة بعد فشل مجموعة العمل المالي (FATF) في اتخاذ هذه الخطوة بسبب معارضة من دول تحالف “البريكس”، الذي تُعد موسكو أحد أعضائه.
ويعتمد الاتحاد الأوروبي عادةً على توصيات مجموعة العمل المالي، التي تأسست عام 1989 بمبادرة من مجموعة الدول السبع، لتحديد الجهات التي تعاني من قصور في مكافحة غسل الأموال.
ولذلك، فإن استبعاد روسيا يُنظر إليه من قبل البعض على أنه رضوخ لضغوط جيوسياسية، لا سيما في ظل الحرب المستمرة في أوكرانيا.
جبل طارق يُغضب مدريد
وفي خطوة أخرى مثيرة للانقسام، تم استبعاد جبل طارق من القائمة، وهو ما أثار حفيظة اليمين الإسباني الذي يرى في ذلك “تنازلاً سياسياً” غير مبرر.
وتأتي هذه الخطوة في وقت حساس قبيل الانتخابات الأوروبية، وسط اتهامات للمفوضية بـ”مراعاة حسابات دبلوماسية وتجارية على حساب النزاهة المالية”.
وشملت القائمة الجديدة أيضاً إدراج دول إفريقية وآسيوية منها الجزائر، وأنغولا، وكوت ديفوار، وكينيا، ولاوس، ولبنان، وناميبيا، ونيبال، إلى جانب فنزويلا وموناكو. في المقابل، تم حذف كل من بربادوس، وجامايكا، وبنما، والفلبين، والسنغال، وأوغندا، إلى جانب جبل طارق والإمارات.
ويُتوقع أن تُناقش المفوضة الأوروبية لشؤون الخدمات المالية، ماريا لويس ألبوكيركي، القائمة الجديدة في اجتماع رسمي مرتقب مع أعضاء البرلمان الأوروبي، بعدما أمضت أسابيع في محادثات غير رسمية لكسب دعمهم لخيارات المفوضية المثيرة للجدل.
وتبقى القائمة السوداء إحدى أدوات الاتحاد الأوروبي في الضغط على الدول من أجل تحسين نظمها المالية، لكنها في الوقت ذاته تكشف عن مدى تشابك الاعتبارات السياسية والتجارية في صناعة القرار الأوروبي.

