قمة طارئة أوروبية بعد محادثات واشنطن: ترامب يقود مباحثات “السلام الحاسم” في أوكرانيا

دعا رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا إلى عقد قمة افتراضية طارئة لزعماء الاتحاد الأوروبي، الثلاثاء، بعد ساعات قليلة من انتهاء قمة مثيرة للجدل في البيت الأبيض جمعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إلى جانب عدد من القادة الأوروبيين، في محاولة لإيجاد مخرج من الحرب الروسية الأوكرانية التي دخلت عامها الرابع.
وكتب كوستا على حسابه الرسمي عبر منصة “إكس” (تويتر سابقًا): “لقد دعوت إلى مؤتمر عبر الفيديو لأعضاء المجلس الأوروبي غدًا في الساعة 13:00 بتوقيت وسط أوروبا، للاطلاع على اجتماعات اليوم في واشنطن العاصمة بشأن أوكرانيا”.
وأضاف أن الاتحاد الأوروبي سيواصل العمل مع الولايات المتحدة من أجل تحقيق “سلام دائم يحمي المصالح الأمنية الحيوية لأوكرانيا وأوروبا”.
هذه الدعوة تعكس رغبة بروكسل في بلورة موقف موحّد بعد التطورات التي شهدتها قمة واشنطن، حيث بدا ترامب، وفق تسريبات دبلوماسية، أكثر إصرارًا على الدفع نحو اتفاق سلام حتى لو تطلّب الأمر تنازلات من كييف، وهو ما يثير مخاوف داخل العواصم الأوروبية بشأن مدى التزام واشنطن باستراتيجية طويلة المدى لردع موسكو.
قمة البيت الأبيض: أجواء مشحونة
القمة التي عقدت الاثنين في واشنطن حضرها كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، ورئيسة وزراء فنلندا، إضافة إلى الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين.
الاجتماع، الذي استمر لساعات خلف الأبواب المغلقة، شهد بحسب مصادر مطلعة “نقاشات صاخبة”، خصوصًا حول مسألة مستقبل الدعم العسكري لأوكرانيا، ومدى استعداد الغرب لمواصلة تزويد كييف بالأسلحة الثقيلة والتمويل الضروري لمواصلة الحرب.
ترامب، الذي لطالما انتقد حجم الإنفاق الأمريكي على الحرب، جدد خلال القمة موقفه الداعي إلى “تقاسم الأعباء” مع الأوروبيين، في حين شدد زيلينسكي على أن أي “سلام ناقص” سيُفسح المجال أمام روسيا لإعادة تجميع قواها وشن هجمات جديدة في المستقبل.
الانقسام الأوروبي
داخل الاتحاد الأوروبي، لا يزال الموقف من الحرب منقسمًا: فبينما تدعو دول شرق أوروبا مثل بولندا ودول البلطيق إلى موقف صارم مع موسكو ورفض أي تنازل، ترى بعض الدول الكبرى مثل فرنسا وإيطاليا أن البحث عن مخرج سياسي أصبح ضرورة ملحّة، خصوصًا في ظل التحديات الاقتصادية المتنامية، وأزمة الطاقة التي تضغط على الشارع الأوروبي.
ومن المتوقع أن تكون هذه الانقسامات محور النقاش خلال القمة الافتراضية التي دعا إليها كوستا، حيث يسعى لتنسيق موقف أوروبي موحد قبل أي خطوات تفاوضية محتملة ترعاها واشنطن.
البعد الأمني
حلف شمال الأطلسي، المشارك في قمة البيت الأبيض، أوضح على لسان أمينه العام ستولتنبرغ أن “الوحدة عبر الأطلسي ضرورية الآن أكثر من أي وقت مضى”. وأكد أن أي عملية سلام يجب أن “تضمن سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها”، محذرًا من أن أي تسوية لا تتضمن ضمانات أمنية قوية قد تقوّض استقرار أوروبا بأكملها.
في المقابل، يعتقد مراقبون أن ترامب يسعى إلى تحقيق “إنجاز دبلوماسي سريع” يمكن أن يُسوَّق داخليًا في الولايات المتحدة، خصوصًا مع احتدام السباق الانتخابي، وهو ما قد يضع مصالح كييف والأوروبيين في موقف ثانوي.
المراقبون: لحظة مفصلية
يرى خبراء أن الدعوة الأوروبية لقمة طارئة تؤشر إلى أن الاتحاد يخشى فقدان زمام المبادرة في ملف يعتبره مصيريًا. يقول المحلل السياسي البلجيكي توماس فيرهوفن: “ما نشهده اليوم هو اختبار صعب للعلاقة عبر الأطلسي. إذا مضت واشنطن في اتجاه تسوية لا تحظى بدعم أوروبي كامل، فسيكون لذلك أثر عميق على وحدة الغرب.”
كما يضيف: “بغض النظر عن مخرجات قمة بروكسل الافتراضية، من الواضح أن الاتحاد الأوروبي مضطر الآن لتوضيح موقفه: هل سيظل تابعًا للإرادة الأمريكية أم سيحاول رسم خط سياسي أكثر استقلالًا؟”
ومع استمرار الحرب في أوكرانيا، وتزايد الضغوط الاقتصادية على أوروبا، تبدو القمة الافتراضية التي دعا إليها كوستا خطوة مهمة نحو إعادة تقييم الموقف الأوروبي بعد محادثات واشنطن. لكن ما إذا كانت بروكسل قادرة على التحدث بصوت واحد في مواجهة مقاربة ترامب “البراغماتية” يبقى سؤالًا مفتوحًا.
في هذه المرحلة، لا يتعلق الأمر فقط بمستقبل أوكرانيا، بل بمكانة الاتحاد الأوروبي ذاته كقوة جيوسياسية، قادرة على صياغة استراتيجيات مستقلة في مواجهة التحديات العالمية.



