أخبار العالمرئيسيصحة و جمال

“الوباء الثلاثي”.. ضغط غير مسبوق ينهك أنظمة الصحة بأوروبا

تشهد بعض دول أوروبا “شتاءً قاسياً” مع زيادة الضغط على الأنظمة الصحية وسط الإضرابات ونقص الأدوية وزيادة معدلات إشغال الأسرّة في المستشفيات.

وبينما تركز أوروبا جهودها على القضايا السياسية والاقتصادية، كالحرب الروسية في أوكرانيا منذ فبراير/شباط 2022، وعدم اليقين بشأن أسعار الطاقة وتكلفة المعيشة، أصبح قطاع الصحة عنصرًا مهمًّا في أجندة العديد من الدول الأوروبية.

ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا في أوروبا، فضلاً عن إضرابات العاملين في مجال الرعاية الصحية، لعبا دورًا رئيسيًا في زيادة الضغط على الأنظمة الصحية التي ما لبثت أن انعكست طوابير طويلة في المستشفيات، وتركت العديد من الأسرّة مشغولة بمعدلات أكثر من المتوقع.

وفي الوقت الحاليّ، تعاني الدول الأوروبية مما أطلق عليه “الوباء الثلاثي” وهو تزايد حالات الإصابة بكل من فيروس كورونا، والإنفلونزا الموسمية، والتهاب القصيبات، بشكل متزامن.

منظمة الصحة العالمية كانت حذّرت في 1 ديسمبر/كانون الأول الماضي، من أن “موسم الإنفلونزا بدأ مبكرًا في أوروبا”.

وكشفت تقارير إعلامية في دول أوروبا أن الموسم المبكّر للأمراض التنفسية في أوروبا، ضرب بشكل رئيسي كل من فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، ما دفع هذه البلدان لمحاولة تخفيف العبء على الأنظمة الصحية المعرّضة لخطر ارتفاع حالات الإصابة بالفيروس المخلوي التنفسي “RSV” وفيروس كورونا.

* فرنسا.. وفاة مرضى في الطوارئ

أزمة حقيقية يمّر بها النظام الصحيّ الفرنسي، على خلفية الإضرابات بسبب عدم كفاية الأجور ونقص الموظفين والأسرّة والبنية التحتية، فضلاً عن الضغط الذي يولّده “الوباء الثلاثي”.

وأصبحت الأزمة ملموسة أكثر مع فترات انتظار تصل إلى 10 ساعات في وحدات الطوارئ، ظهر خلالها المرضى راقدين في ممرّات المستشفيات، فيما لقي بعضهم مصرعه قبل وصول دوره لتلقّي العلاج.

وبحسب معلومات من شخصيات رسمية ووسائل إعلام محلية، توفي 31 مريضًا في ديسمبر/كانون الأول الماضي في وحدات الطوارئ، لعدم تلقيهم العلاج في الوقت المناسب.

وفي هذا الإطار، أفادت نقابة “France Samu-Urgences” (اتحاد للعاملين في طب الطوارئ) بأن “الطلب على وحدات الطوارئ خلال ديسمبر الماضي، ارتفع بنسبة 55 بالمئة على أساس سنوي”.

بيانات النقابة جاءت على خلفية تقارير أشارت إلى أنه كان يتعيّن على المرضى انتظار “19 ساعة قبل استشارة طبيب مختصّ” خلال عطلة عيد الميلاد الماضي.

من جهته، قال رئيس النقابة مارك نويزيه، إن “قاعات المستشفيات مكتظة بالمرضى الذين لا يستطيعون الوصول إلى سرير، ويتعيّن عليهم الانتظار في وحدات الطوارئ”.

وأضاف نويزيه، أن “غالبية الذين لقوا حتفهم تجاوزوا الستين أو السبعين من العمر”.

بدوره، شكك النائب في البرلمان الفرنسي فيليب جوفين، في تصريح صحفي، في الرقم الرسمي المعلن بشأن عدد من لقوا مصرعهم على خلفية غياب الخدمة الطبية.

جوفين، وهو أيضًا عضو في نقابة العاملين بطب الطوارئ، قال إن العدد الدقيق للقتلى هو “150 شخصًا”، وليس كما أُعلن رسميا بأنهم 31 شخصًا فقط”.

وتظهر أرقام دائرة البحوث والدراسات والتقييم والإحصاء الرسمية، أن لدى فرنسا 697 وحدة طوارئ للاستجابة لـ22 مليون حالة سنويًا.

* تدهور النظام الصحي الفرنسي

في مارس/آذار 2022، نشر مجلس الشيوخ الفرنسي تقريرًا أظهر أن الوضع في المستشفيات شهد تدهورًا ملحوظًا في الفترة التي تلت جائحة كورونا.

ومنذ ديسمبر الماضي، بدأ الأطباء والعاملون في مجال الرعاية الصحية إضرابات احتجاجًا على ساعات العمل الطويلة والأجور غير الكافية.

وأدان وزير الصحة الفرنسي فرانسوا براون، إضراب الأطباء وقال إنه “جاء في وقت صعب للغاية”، بينما تكافح فرنسا الوباء الثلاثي.

وتظهر الأرقام أن فرنسا كان لديها 220 ألف طبيب في عام 2022، إلا أن هذا العدد للأطباء الممارسين سينخفض إلى 80 ألفًا في غضون السنوات الثلاث المقبلة، كما أن البلاد تفتقر لنحو 60 ألف ممرّض.

ويحصل الأطبّاء الممارسون على حوالي 60 ألف يورو (65 ألف دولار) سنويًا، بينما يكسب الأطباء المتخصصون حوالي 90 ألف يورو.

واتخذت السلطات الفرنسية في يوليو/تموز 2022، قرارًا برفع أجور الممرضات (يبلغ الراتب الشهري للممرضة المبتدئة حوالي 1600 يورو)، إلا أنه ترافق مع تدهور في ظروف العمل.

وحاليًا، يعمل العاملون في مجال الرعاية الصحية أكثر من 60 ساعة في الأسبوع في فرنسا، بل إن بعضهم يتجاوز 70 ساعة، في محاولة لتغطية النقص في أعدادهم.

* ألمانيا.. نقص بالأدوية

ألمانيا أيضًا، ورغم كونها أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، تعاني من نقص بالأدوية نتيجة “الاختناقات الخطيرة في سلاسل التوريد والتأخير في مواعيد التسليم”.

ووفقًا للجمعية الألمانية لأمراض الدم والأورام الطبية “DGHO” أصبحت أدوية سرطان الثدي نادرة بشكل متزايد بسبب اختناقات التسليم.

إضافةً إلى ذلك، يواجه الألمان نقصًا في بعض أدوية الحمى أو المضادات الحيوية، حيث بات نادرًا ما تتوفر في الصيدليات.

وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، حذّر مسؤولو الصحة من موجة أمراض الجهاز التنفسي الحادّة، التي “تدفع بنظام الرعاية الصحية الألماني إلى أقصى حدوده”.

وقال جيرالد جاس، رئيس مجلس إدارة جمعية المستشفيات الألمانية “DKG”، في تصريح صحفي آنذاك: “نواجه حاليًا وصول جميع مجالات الرعاية الصحية إلى أقصى قدرة لها”.

وكما هو الحال في العديد من البلدان، تسبّب ارتفاع عدد الإصابات بداية فصل الشتاء في معاناة وحدات العناية المركزة من الإشغال بشكل عام.

* بريطانيا.. نظام صحي “معطل”

أظهرت دراسة أجرتها مؤسسة “Nuffield Trust” (صحية مستقلة)، تسجيل 9 آلاف و517 حالة وفاة في الأسبوع المنتهي في 30 ديسمبر 2022، مقارنةً بمتوسط 1592 على مدار 5 سنوات في الوقت ذاته من العام.

كما أشارت الدراسة إلى استقالة 1 من كل 10 عاملين في مجال الرعاية الصحية من وظيفته، خلال 12 شهرًا قبل حلول يونيو/حزيران من العام الماضي.

وأوضحت الدراسة أن استطلاعاتها الحديثة وجدت أن “1 من كل 4 يعملون في القطاع الصحي، سيترك وظيفته الحالية بمجرد العثور على وظيفة أخرى”.

يوصف الوضع في نظام الرعاية الصحية في المملكة المتحدة بأنه “معطّل”، حيث أضرب آلاف العاملين الطبيين في أقسام الطوارئ في إنجلترا وويلز للمرة الثانية خلال شهر بسبب نزاع حول الأجور.

وشارك ما يقرب من 25 ألفًا من المسعفين والسائقين والفنيين، في إضرابات متداخلة على مدار 24 ساعة في 11 يناير/كانون الثاني الجاري، بينما نُظّم أول إضراب في 21 ديسمبر/كانون الأول 2022.

وقالت أنطونيا جوسنيل، وتعمل في خدمة الإسعاف بالعاصمة البريطانية لندن، إن “الحكومة لا تجتمع مع النقابات لتقييم مطالب العاملين الصحيين”.

وأضافت: “الراتب لا يساعد موظفينا على العيش، إنه ليس كافيًا، والظروف تزداد سوءًا بالنسبة لنا”.

وفي السياق، وصفت جوسنيل نظام الرعاية الصحية في بلادها بأنه “معطل”، حيث “يموت الناس كل يوم لأننا لا نملك الموارد والموظفين لخدمة هؤلاء المرضى” وفق قولها.

بدورها، أوضحت إميلي سناشال، مسعفة أخرى، أن “البريطانيين يكافحون مع هيئة الخدمات الصحية الوطنية (إن إتش إس)”.

وقالت: “المشكلة الأكبر هي هيئة الخدمات الصحية الوطنية، حيث تُركت تعاني نقص التمويل، مما أدّى إلى نقص الخدمات الصحية للجمهور”.

وتابعت: “الناس يكافحون وينتظرون لساعات طويلة للحصول على المساعدة، لا ينبغي أن يكون الأمر كذلك، لقد شاهدت أنا وزملائي الناس يموتون بسبب فترات الانتظار الطويلة”.

وعلى نفس المنوال، نددت سارة جورتون، رئيسة قسم الصحة في نقابة “يونيسون”، بالوضع المتردّي للخدمات الصحية في المملكة المتحدة.

وقالت في تصريح صحفي إن “المشكلة لن تحلّ حتى يبدأ الوزراء باتخاذ مبادرة في هذا الشأن، ويجتمعوا بهدف التفاوض والوصول إلى أفضل صفقة تخدم الموظفين والمرضى والخدمات”.

وبحسب جورتون، “يعرف الجمهور أن أوقات استجابة سيارات الإسعاف تزداد سوءًا، وأن قوائم انتظار المستشفيات تتزايد، لأن هيئة الخدمات الصحية الوطنية لم يعد لديها الموظفين اللازمين لتلبية الطلب، ولا لتوفير رعاية آمنة للمرضى”.

وتواجه الخدمات الصحية في المملكة المتحدة صعوبات متزايدة بسبب الإضرابات المستمرة من قبل العاملين فيها، تزامنًا مع الارتفاع المقلق في عدد حالات الإنفلونزا.

وأواخر العام الماضي، نقلت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” عن مسؤولون في الكلية الملكية لطب الطوارئ قولهم إن “نحو 300 إلى 500 شخص يموتون أسبوعيًا بسبب التأخير في الحصول على رعاية الطوارئ”.

 

اقرأ أيضاً: زيلينسكي يطالب أوروبا بتقديم أسلحة ثقيلة لأوكرانيا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى