رئيسيمقالات رأي

الجولة المكوكية الأخيرة لبوتين تظهر تمدد موسكو في المنطقة

موسكو- أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جولة مكوكية على حلفائه الجدد في الشرق الأوسط مؤكدا تمدد نفوذ روسيا في المنطقة واستمرار انكماش نفوذ الولايات المتحدة.

وفي تتابعٍ سريع، زار بوتين سوريا ومصر، حيث التقى بزعيمي الدولتين، ثم غادر إلى العاصمة التركية أنقرة لاحقاً في اليوم نفسه.

وجاءت جولته القصيرة بينما يتصاعد الغضب تجاه الولايات المتحدة بشأن قراره الأحادي بالاعتراف بالقدس المحتلة عاصمةً لإسرائيل.

وقد ساهم هذا القرار في عزل الولايات المتحدة وإسرائيل، بإثارة غضب حلفائهما في أوروبا والمنطقة العربية، إذ يدفع القرار في إقناع الرأي العام العربي بأن الولايات المتحدة مناهضةٌ للمسلمين بشدة.

وفي بروكسل يوم الاثنين، على سبيل المثال، قوبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالرفض حين حثَّ الاتحاد الأوروبي على “الاعتراف بالحقائق” وتأييد قرار ترامب.

إنجاز أو صداقة معلنة

وكانت لجولة بوتين توابع محلية أيضاً، إذ تستعرض دوره كرجلِ دولةٍ عالمي بينما يشرع في حملته لدورته الرئاسية الخامسة، وربما الأخيرة.

وفي كل محطةٍ من هذه الجولة، كان ثمة إنجازٌ أو صداقةٌ يُعلَن عنها.

وفي زيارته القصيرة للقاعدة الجوية الروسية في سوريا، حيث استقبله الرئيس السوري بشَّار الأسد، قال بوتين مرةً أخرى إن الجيش الروسي أنجز مهمته وسيعود إلى بلاده، الأمر الذي كان قد تعهَّد به في مارس/أذار 2016 وأخلفه مراراً في السابق.

وفي مصر، ناقش بوتين مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قضايا عدة عكست دور موسكو المُتمدِّد. وأكَّدَ الرئيسان في مؤتمرٍ صحفي أن روسيا قد وافقت على استئناف الرحلات السياحية المباشرة إلى مصر، تلك الرحلات التي عُلِّقَت منذ تفجير طائرة روسية في شبه جزيرة سيناء في العام 2015، الأمر الذي يستعيد لمصر عائداتٍ بمليارات الدولارات.

وأكد الرئيسان كذلك على توقيع عقدٍ يقضي بأن تبني روسيا مفاعلاً نووياً هو الأول من نوعه في مصر بتكلفة 30 مليار دولار. وفي وقتٍ سابق من الشهر الماضي، نوفمبر/تشرين الثاني، أفيد بأن البلدين يبحثان اتفاقيةً تقضي بأن يستخدم سلاح الجو الروسي القواعد العسكرية المصرية.

وكانت زيارة تركيا هي الأخيرة ضمن جولة بوتين يوم أمس الاثنين، وتركَّز جدول أعمال الزيارة على محادثات سياسية تتعلَّق بإنهاء الحرب فى سوريا وشراء تركيا نظام الدفاع الصاروخي المُتقدِّم من طراز إس-400 روسي الصنع.

وكانت روسيا رفضت في السابق عملية البيع تلك، إلا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال في مؤتمرٍ صحفي مشترك عقد أمس إن البلدين سيجتمعان هذا الأسبوع ليتوصَّلا إلى قرارٍ بضرورة العمل بنظام أس-400.

وكانت هذه هي المرة الثامنة التي يلتقي فيها بوتين وأردوغان هذا العام، وفي الآونة الأخيرة أصبح الاثنان يجتمعان كل أسبوعين.

روسيا المستفيدة

وقد استفادت روسيا استفادةً كاملةً من عدم رغبة الولايات المتحدة في التدخُّل في صراعاتٍ مختلفة بالشرق الأوسط، وخاصة سوريا، لتُعيد بناء علاقاتٍ مع عواصم مختلفة مثل القاهرة، تلك التي طُرِدَ منها السوفييت في أوائل السبعينيات بعد سنواتٍ من التعاون العسكري الوثيق.

ووفقاً لما ذكرته وسائل الإعلام الروسية، فإنه رغم ثقة بوتين من انتصاره في الانتخابات الرئاسية في مارس/آذار من العام المُقبل 2018، فإنه يسعى للحصول على مستوى عال من الدعم وإقبال قياسي في عملية الاقتراع.

ووفقاً لمحللين، فإن تحقيق بوتين لهدفه يحتاج إلى خلق بعض الزخم في ظل حملة باهتة، كما يحتاج على الأقل إلى التركيز على القضايا المحلية، حتى لو كان يتحمَّس شخصياً بشكلٍ أكبر لمناقشة السياسة الخارجية مقارنة بالحديث عن إصلاح الطرق.

وبالتالي، يرغب بوتين في تقليل الدور الروسي في سوريا إلى حد كبير قبل أن تشتعل الحملة الانتخابية في مطلع فبراير/شباط المقبل.

وقال كونستانتين فون إيغرت المحلّل السياسي الذي يُقدِّم برنامجاً في قناةٍ تلفزيونية مستقلة: “لا يهتم الناس إلى هذه الدرجة بشأن سوريا، إنها بلد بعيد لا يعرفه الكثيرون”.

ويقول إيجرت ومحللين آخرين إن الروس إذا فكروا يوماً بسوريا، فإنَّهم يتساءلون عادة عن سبب إنفاق الكرملين الأموال على منطقة مأهولة بهمجيين يقتلون بعضهم بعضاً.

وفيما يخص سوريا، يكرر بوتين قوله بأن القوات الروسية قد هزمت تهديد المتشدّدين الإسلاميين حين اضطروا لمواجهتهم قبل عامين، وذلك رغم اعتقاد الكثيرين بأن الهدف الحقيقي هو دعم الأسد الذي كان وقتذاك يمثل الحليف الأخير لروسيا بالمنطقة.

وقال بوتين في كلمة ألقاها في قاعدة حميميم الجوية بسوريا: “في غضون عامين، هزمت القوات المسلحة الروسية، جنباً إلى جنب مع الجيش السوري، أكثر الجماعات الإرهابية تمرُّساً على القتال. وقد اتخذت قراراً في هذا الشأن بعودة جزء كبير من الوحدات العسكرية الروسية في الجمهورية العربية السورية إلى روسيا”.

وكالمعتاد، ترك بوتين لنفسه مساحة كبيرة للمناورة بقوله إن “جزءاً كبيراً” من القوات سيعود إلى الديار. وأشار إلى أن روسيا أسست وجوداً دائماً في سوريا من خلال قاعدة حميميم وقاعدة طرطوس البحرية الموسعة.

وكان ديمتري بيسكوف، المتحدِّث باسم بوتين، أكثر غموضاً حين قال إنه لا يوجد جدول زمني محدد للانسحاب. وقال: “من الواضح أنها مسألة لا تنتهي بين ليلة وضحاها”.

وقال بعض المحللين إن زيارة بوتين وتصريحاته عن الانسحاب يمكن النظر إليها جزئياً بوصفها محاولة للضغط على الأسد، الذي أظهر حتى الآن رغبة بارزة في تحدي هدف روسيا المعلَن بشأن إجراء عملية سياسية حقيقة، وذلك رغم اعتماده الكبير على القوة الروسية.

ولم تدعم روسيا جيش الأسد المحاصر فحسب، بل ساعدت أيضاً في دفع محادثات السلام الدولية بعيداً عن توافق مبكِّر حول استقالة الأسد كشرط مسبق لإجراء أي عملية انتقالية.

لكن موسكو لا ترغب في تقديم دعم لأجل غير مسمى لدولة سورية ضعيفة وذات شرعية غير مستقرة. تجدر الإشارة إلى أن روسيا فقدت مئات العسكريين في القتال هناك، كما تنفق بكثافةٍ على المجهود الحربي وعلى دعم الحكومة.

وحرص بوتين على الإعلان المذكور أعلاه لا ليؤكد الانتصار العسكري فحسب، بل ليعزز قيادته للجهود الدبلوماسية الدولية التي يَنظر إليها باعتبارها تجل لعودة روسيا إلى الساحة العالمية على قدمِ المساواة مع الولايات المتحدة.

ورحب المفاوضون السوريون المعارضون للنظام ممن شاركوا في المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف ترحيباً واسعا بأمر بوتين بسحب القوات. وقالت هند قبوات عضوة فريق التفاوض في المعارضة، “سيساعدنا ذلك، إنه أمر جيد، ونحن متفاؤلون للغاية”.

وأعربوا عن أملهم في أن تكون روسيا مستعدة الآن لاستخدام نفوذها على الأسد للضغط من أجل التوصل إلى حلولٍ توفيقية من شأنها أن تخلق زخماً في محادثات جنيف.

وأشار محللون آخرون إلى إنه إذا لم يحدث أي شيء جوهري في جنيف، أو في ساحة المعركة السورية، فإن إعلان بوتين عن انسحاب القوات سيبدو مرتبطًا بالسياسة الداخلية لروسيا أكثر من ارتباطه بسوريا.

ووفقاً لما ذكره هاكان أكساي، المُحلِّل والكاتب الروسي، لموقع الأخبار التركي المستقل “T24″، كان من المُتوقَّع أن يسعى بوتين إلى الحصول على دعم أنقرة بخصوص احتواء الميليشيات الإسلامية في محافظتيّ إدلب وحلب شمالي سوريا، وأنه سيضغط على أردوغان للاعتراف بالأسد بوصفه الزعيم الشرعي لسوريا.

وقال أردوغان في مؤتمرٍ صحفي إنه بعد مناقشة القضية السورية مع بوتين، أمس الاثنين، فإن الخطوة التالية هي عقد اجتماع ثان في منتجع سوتشي بروسيا. ووصف العلاقات الوثيقة بين روسيا وتركيا بأنها “جوهرية لتحقيق الاستقرار فى المنطقة”.

ولا تزال تركيا تطالب برحيل الأسد، ولكنها لم تعد تُصرّ، كما حال معظم المعارضة، على إزاحته كشرط مسبق لمحادثات السلام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى